للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِجَارَةِ فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ وَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ عَبْدٍ مَحْجُورٍ وَصَحَّ مِنْ مَأْذُونٍ وَمُكَاتَبٍ وَأَمَّا تَوْكِيلُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ وَإِلَّا بِأَنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ بَطَلَ عِنْدَهُ وَقَالَا: نَافِذٌ وَشَمَلَ قَوْلُهُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَلَهُمَا أَنْ يُوَكِّلَا بِكُلِّ مَا يَفْعَلَانِهِ وَأُورِدَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ وَتَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ الْحَلَالَ بِبَيْعِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ بِأَصْلِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ امْتَنَعَ بِعَارِضِ النَّهْيِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنَفْسِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ عَنْ سَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ وَالْوَكِيلُ لَا يُوَكِّلُ إلَّا بِإِذْنٍ أَوْ تَعْمِيمٍ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْوَكَالَةُ عَلَى الْيَمِينِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: وَكَّلْتُك أَنْ تَحْلِفَ عَنِّي لَا يَجُوزُ اهـ.

وَأُورِدَ أَيْضًا لَوْ قَالَ: بِعْ عَبْدِي هَذَا بِعَبْدٍ صَحَّ وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيْت مِنْك هَذَا بِعَبْدٍ لَمْ يَصِحَّ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِلْجَهَالَةِ فِي الْمُبَاشَرَةِ لِلْإِفْضَاءِ إلَى الْمُنَازَعَةِ لَا لِذَاتِهَا وَلِذَا لَمْ تُمْنَعْ فِي بَيْعِ قَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَلَا يُفْضِي إلَيْهَا فِي الْوَكَالَةِ وَزَادَ فِي الْهِدَايَةِ فَقَالَ: وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَتَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ فَقِيلَ: هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ لَا تَلْزَمُهُ الْأَحْكَامُ بِمَعْنَى لَا تَثْبُتُ لَهُ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ وَقِيلَ: احْتِرَازٌ عَنْ الْمَحْجُورِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى الثَّانِي وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ فَإِنَّ الْمَحْجُورَ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فَخَرَجَ بِهِ وَسَيَأْتِي إخْرَاجُ الْوَكِيلِ بِالضَّابِطِ وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَلَيْسَ الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لِلتَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَ بِهِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْآبِقِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ بِبَيْعِهِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ وَكَّلَ الدَّائِنُ عَبْدَ الْمَدْيُونِ فِي قَبْضِ دَيْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ جَازَ وَلَوْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالْقَبْضِ وَالْهَلَاكِ بَرِئَ الْمَوْلَى وَلَوْ وَكَّلَ الْغَرِيمُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمَدْيُونِ بِالْقَبْضِ مِنْ عَبْدِهِ لَمْ يَجُزْ تَوْكِيلُهُ وَلَا قَبْضُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَنْطُوقِ قَوْلِهِ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ تَوْكِيلُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِالتَّزْوِيجِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَمَا لَوْ وَكَّلَ بِبَيْعِ عَبْدِهِ بِعَبْدٍ يَصِحُّ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيُرَدُّ عَلَى مَفْهُومِهِ تَوْكِيلُ الْمُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ الْخَمْرِ وَتَوْكِيلُ الْمُحْرِمِ حَلَالًا وَالتَّوْكِيلُ بِبَيْعِ الْآبِقِ وَالتَّوْكِيلُ بِالِاسْتِقْرَاضِ.

(قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا مَحْجُورًا) بَيَانٌ لِلشَّرْطِ فِي الْوَكِيلِ فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَفِي يَتِيمَةِ الدَّهْرِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْوَكَالَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ مَجْنُونًا فَبَيْعُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ فِي بَابِ تَوْكِيلِ الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ وَكَّلَ مَجْنُونًا بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ فَقَبِلَ الْوَكَالَةَ فِي حَالِ جُنُونِهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ لِأَنَّ بِالْإِفَاقَةِ يَزْدَادُ التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَا يَزُولُ مَا كَانَ ثَابِتًا اهـ.

وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَعْقِلُ الْعَقْدَ وَيَقْصِدُهُ فَقَالَ الشَّارِحُونَ: إنَّ الْمُرَادَ بِعَقْلِ الْعَقْدِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الشِّرَاءَ جَالِبٌ لِلْمَبِيعِ سَالِبٌ لِلثَّمَنِ وَالْبَيْعَ عَلَى عَكْسِهِ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَالْمُرَادُ بِقَصْدِهِ أَنْ يَقْصِدَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ أَوْ الرِّبْحَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَنْ الْآمِرِ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِ عَقْلِيَّةِ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ الْيَسِيرِ لِجَوَازِ بَيْعِ

ــ

[منحة الخالق]

[صِفَة الْوَكَالَةِ]

(قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: أَقُولُ: لَيْسَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ النَّظَرِ وَاقِعًا مَوْقِعَهُ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ إنَّمَا هُوَ لِلصَّبِيِّ الْعَاقِلِ وَهُوَ الْمُمَيِّزِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي تَعْرِيفِهِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ هَذَا النَّظَرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ اهـ.

وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْيَعْقُوبِيَّةِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَيَعْرِفُ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ مِنْ الْفَاحِشِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ تَوْكِيلَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ صَحِيحٌ وَفَرْقُ الْغَبْنِ الْيَسِيرِ مِنْ الْفَاحِشِ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَلَا وَجْهَ لِصِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ تَصْرِيفُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ مَأْخُوذًا فِيهِ مَعْرِفَةُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ مِنْ الْيَسِيرِ كَانَ شَرْطًا فِي الْوَكَالَةِ أَيْضًا ثُمَّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ إلَّا بَعْدَ الِاشْتِغَالِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَمَعْرِفَةِ أَثْمَانِ الْمَبِيعَاتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعْرِفَ مَا حَدَّهُ الْفُقَهَاءُ بَلْ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ قِيمَتُهُ كَذَا وَأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ بَاعَهُ بِكَذَا يَكُونُ مَغْبُونًا تَأَمَّلْ وَعَلَى كُلٍّ فَاشْتِرَاطُ مَعْرِفَةِ الْغَبْنِ مُشْكِلٌ فَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ أَعْقَلِ النَّاسِ وَأَذْكَاهُمْ وَيَغْبِنُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ بِعَدَمِ وُقُوفِهِ عَلَى مِقْدَارِ قِيمَةِ مِثْلِهَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فِيمَا تَكُونُ قِيمَتُهُ مَعْرُوفَةً مَشْهُورَةً.

وَانْظُرْ مَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَتَقَيَّدَ شِرَاؤُهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ ثُمَّ بَعْدَ كِتَابَتِي ذَلِكَ رَأَيْت فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ قَالَ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّا نَرَى كَثِيرًا مِنْ الصِّبْيَانِ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِعِلْمِ الْفِقْهِ بَلْ بِالسَّمَاعِ مِنْ الثِّقَاتِ وَكَثُرَتْ الْمُبَاشَرَةُ بِالْمُعَامَلَاتِ ثُمَّ قَدْ يُقَامُ الْمُتَمَكِّنُ مِنْ الشَّيْءِ مَقَامَ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَمَا سَبَقَ فِي مَبَاحِثِ عَدَمِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَعْمَى فِي هَذَا الْكِتَابِ وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَالتَّمَكُّنُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَقْلِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الصَّبِيِّ الَّذِي كَلَامُنَا فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ الْخَمْسَةَ فِيمَا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ مَثَلًا غَبْنٌ فَاحِشٌ وَأَنَّ الْوَاحِدَ فِيهَا يَسِيرٌ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ عَاقِلٍ كَصَبِيٍّ دَفَعَ لَهُ رَجُلٌ كَعْبًا وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَإِذَا فَرِحَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مَغْبُونٌ فِي ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ أَصْلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>