للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُتَوَلِّي الْعَمَلِ بِحَذَاقَتِهِ وَالْآخَرُ مُتَوَلِّي الْقَبُولِ لِوَجَاهَتِهِ، وَإِذَا وُجِدَ مَا لَهُ سَبِيلٌ إلَى الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَعَارَفٌ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِصِحَّتِهِ فَيَكُونُ الْعَمَلُ وَاجِبًا عَلَيْهِمَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ الشَّارِحُ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ بَيْعٌ وَشِرَاءٌ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ صَنَائِعَ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ شَرِكَةُ التَّقْبِيلِ هِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ الْأَعْمَالَ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُمَا اشْتَرَكَا فِي الْحَاصِلِ مِنْ الْأَجْرِ وَلَيْسَتْ شَرِكَةَ صَنَائِعَ، وَأَجَبْت بِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْخَارِجِ تَقْتَضِي الشَّرِكَةَ فِي التَّقْبِيلِ فَثَبَتَ فِيهِ اقْتِضَاءً إذْ لَيْسَ فِي كَلَامِهِمَا إلَّا تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالتَّقَبُّلِ وَالْآخَرِ بِالْعَمَلِ وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ فَأَثْبَتْنَا الشَّرِكَةَ فِي التَّقَبُّلِ اقْتِضَاءً اهـ.

وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة دَفَعَ الْآخَرُ بَقَرَةً بِالْعَلَفِ لِيَكُونَ الْخَارِجُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالْحَادِثُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَقَرَةِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَثَمَنُ الْعَلَفِ وَمِثْلُهُ لَوْ دَفَعَ الدَّجَاجَةَ إلَى آخَرَ بِالنِّصْفِ، وَلَوْ دَفَعَ بَذْرَ الْعَلِيقِ إلَى امْرَأَةٍ بِالنِّصْفِ فَقَامَتْ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْرَكَتْ فَالْعَلِيقُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَذْرِ قِيمَةُ الْعَلَفِ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا وَفِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ دَفَعَ إلَى امْرَأَةٍ دُودًا لِتَقُومَ عَلَيْهَا بِنَفَقَتِهَا، عَلَى أَنَّ الْعَلِيقَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارِبِ وَكُلُّ الْعَلِيقِ لِصَاحِبِ الدُّودِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ وَثَمَنُ الْأَوْرَاقِ، وَلَوْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ دُودَ الْقَزِّ وَبَيْضَ الدَّجَاجِ فَأَمْسَكَهُ حَتَّى خَرَجَ الْعَلِيقُ وَالْفَرْخُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ، رَجُلٌ لَهُ غَرِيمٌ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَقَالَ لِرَجُلٍ اذْهَبْ إلَيْهِ وَطَالِبْهُ بِالدَّيْنِ، وَإِذَا قَبَضْت فَلَكَ عَشَرَةٌ فَفَعَلَ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ اهـ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ مُكَرَّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ وَتُقْبَلُ إنْ اشْتَرَكَ خَيَّاطَانِ أَوْ خَيَّاطٌ وَصَبَّاغٌ قُلْنَا ذَكَرَ هُنَاكَ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ قَصْدًا وَهُنَا بَيَّنَ مَا إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ ضِمْنًا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ لَا تَكْرَارَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ اسْتَأْجَرَ جَمَلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ إلَى مَكَّةَ صَحَّ وَلَهُ الْمَحْمَلُ الْمُعْتَادُ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِلْجَهَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُتَعَارَفِ وَلَهُ الْمُتَعَارَفُ مِنْ الْحِمْلِ وَالزَّادِ وَالْغِطَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا يُقَالُ هَذِهِ مُتَكَرِّرَةٌ مَعَ قَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا يُحْمَلُ قُلْنَا هُنَاكَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا يُحْمَلُ فَكَانَتْ الْجَهَالَةُ فَاحِشَةً وَهُنَا بَيَّنَ مَا يَحْمِلُ فَكَانَتْ يَسِيرَةً؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ الْحِمْلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَرُؤْيَتُهُ أَحَبُّ) يَعْنِي رُؤْيَةَ الْمُكَارِي الْمَحْمَلَ وَالرَّاكِبَ وَمَا يَتْبَعُهُمَا أَحَبُّ؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْجَهَالَةِ وَأَقْرَبُ لِلْعِلْمِ لِتَحَقُّقِ الرِّضَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِمِقْدَارٍ زَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مِقْدَارًا مِنْ الزَّادِ فَأَكَلَ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ رَدَّ عِوَضَهُ، وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَرُدُّ؛ لِأَنَّ عُرْفَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الزَّادَ وَلَا يَرُدُّونَ وَالْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ يَكُونُ لَهُ الرَّدُّ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَرَى بِرَدِّهِ وَلَنَا أَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَمْلُ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ فَصَارَ كَالْمَاءِ، وَالْعُرْفُ مُشْتَرَكٌ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُسَافِرِينَ يَرُدُّونَ فَلَا يَلْزَمُنَا عُرْفُ الْبَعْضِ أَوْ يُحْمَلُ فِعْلُ مَنْ لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةٌ وَيَرُدُّ بَعْضُهُمْ وَهُمْ الْمُحْتَاجُونَ إلَيْهِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَفَسْخُهَا) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَهَذَا مَعْنَى الْإِضَافَةِ وَفَسْخُهَا يُعْتَبَرُ بِهَا كَمَا إذَا أَضَافَ الْإِجَارَةَ إلَى رَمَضَانَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ، وَكَذَا إذَا أَضَافَ الْفَسْخَ إلَى شَوَّالٍ وَهُوَ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْقُنْيَةِ إذَا قَالَ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ غَدًا يَجُوزُ، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ قَدْ أَجَّرْتُك هَذِهِ الدَّارَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ تَجُوزُ فِي اللَّفْظَيْنِ وَلَا خَطَرَ فِي هَذَا فِي الْإِجَارَةِ وَبِهِ يُفْتَى، وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَجَّرْتُك دَارِي بِكَذَا إذَا هَلَّ كَذَا يَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ.

[الْمُزَارَعَةُ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ) يَعْنِي وَتَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ أَيْضًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا إذَا قَالَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ زَارَعْتُك أَرْضِي مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِكَذَا وَتَصِحُّ أَيْضًا الْمُعَامَلَةُ وَهِيَ الْمُسَاقَاةُ بِأَنْ قَالَ سَاقَيْتُك بُسْتَانِي مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ وَهُوَ فِي شَعْبَانَ بِكَذَا؛ لِأَنَّ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُعَامَلَةَ إجَارَةٌ فَتُعْتَبَرُ بِالْإِجَارَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُضَارَبَةُ وَالْوَكَالَةُ) لِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِطْلَاقِ وَكُلُّ ذَلِكَ تَجُوزُ إضَافَتُهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْكَفَالَةُ) لِأَنَّهَا الْتِزَامٌ لِلْمَالِ ابْتِدَاءً فَتَجُوزُ إضَافَتُهَا وَتَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالْبَذْرِ لَكِنْ فِيهَا تَمْلِيكُ الْمُطَالَبَةِ فَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ الْمُطْلَقِ، بَلْ بِالشَّرْطِ الْمُتَعَارَفِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>