للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْكِتَابَةِ فَإِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ نَفَذَ ذَلِكَ بِالتَّدْبِيرِ وَسَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِهِ أَمَّا هُنَا فَالْكِتَابَةُ وَقَعَتْ بَعْدَ التَّدْبِيرِ وَمَالِيَّةُ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَتْ فَكَانَ الْبَدَلُ بِأَدَاءِ الثُّلُثَيْنِ ضَرُورَةً وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَدَّى فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الثُّلُثِ قَدْ سَقَطَ بِالتَّدْبِيرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ فَلِلْغُرَمَاءِ بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ إبْطَالَ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَخَذَ الْمَوْلَى الْكِتَابَةَ، ثُمَّ عَلِمُوا فَلَهُمْ أَخْذُهَا مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مَأْذُونٍ وَمَدْيُونٍ وَالْغُرَمَاءَ أَحَقُّ بِأَكْسَابِهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَكَذَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَ عَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ ضَرِيبَةَ مَالٍ صَحَّ وَمَا يَأْخُذُ الْمَوْلَى مِنْ الضَّرِيبَةِ مُسَلَّمٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الضَّرِيبَةَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِخْدَامِ فَكَذَا لَهُ الضَّرِيبَةُ بَدَلًا عَنْهُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِمْ شَيْءٌ ضَمِنَ لَهُ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ وَيَسْعَى فِي بَقِيَّةِ دَيْنِهِمْ. وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى.

وَكَذَا لَوْ قَضَى الْمَوْلَى دَيْنَهُمْ جَازَتْ الْكِتَابَةُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى مِنْ دَيْنِهِمْ أَمَةً مَأْذُونَةً فِي التِّجَارَةِ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَوَلَدَتْ فَكَاتَبَ السَّيِّدُ الْوَلَدَ وَعَتَقَهُ فَلِلْغُرَمَاءِ رَدُّ الْكِتَابَةِ وَفِي الْعِتْقِ يَضْمَنُ الْمَوْلَى قِيمَةَ الْوَلَدِ.

[دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ دَبَّرَ مُكَاتَبَهُ صَحَّ) ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَنْجِيزَ الْعِتْقِ فَيَمْلِكُ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ، وَهَذَا التَّصَرُّفُ نَافِعٌ لَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَعْتِقُ مَجَّانًا أَوْ يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَبْقَى مُدَبَّرًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ عَجَزَ بَقِيَ مُدَبَّرًا لِوُجُودِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا سَعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ الْبَدَلِ بِمَوْتِهِ مُعْسِرًا) يَعْنِي إنْ لَمْ يَعْجِزْ وَمَاتَ الْمَوْلَى مُعْسِرًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ أَوْ ثُلُثَيْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا يَسْعَى فِي الْأَقَلُّ مِنْهُمَا فَالْخِلَافُ فِي الْخِيَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ، وَأَمَّا الْمِقْدَارُ هُنَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ مُقَابَلٌ بِكُلِّ الرَّقَبَةِ إنْ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ مِنْ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِذَا عَتَقَ بَعْضُ الرَّقَبَةِ مَجَّانًا بَعْدَ ذَلِكَ سَقَطَتْ حِصَّتُهُ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ لَهُ تَدْبِيرَ الثُّلُثَيْنِ فَيَكُونُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ مُقَابِلًا لِمَا لَمْ يُسَلَّمْ وَهُوَ الثُّلُثُ عَلَى مَا بَيَّنَّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ عَتَقَ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ قَائِمٌ فِيهِ وَهُوَ الشَّرْطُ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَسَقَطَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ لِيَحْصُلَ الْعِتْقُ، وَقَدْ حَصَلَ بِدُونِهِ، وَكَذَا الْمَوْلَى كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مُقَابَلًا بِالتَّحْرِيرِ، وَقَدْ فَاتَ ذَلِكَ بِالْإِعْتَاقِ مَجَّانًا وَالْكِتَابَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَازِمَةً مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى لَكِنَّهَا تُفْسَخُ بِالتَّرَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْعِتْقِ وَمِنْ الْعَبْدِ بِحُصُولِ غَرَضِهِ بِلَا عِوَضٍ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى نِصْفِ حَالٍّ صَحَّ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ أَجَلٍ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ وَالدَّيْنَ مَالٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ وَلَا فِي مُكَاتَبِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ كَانَ رِبًا وَذَلِكَ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ غَيْرُ جَائِزٍ وَعَقْدُ الْمُكَاتَبَةِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْتَقِضُ بِالْمَهْرِ وَالطَّلَاقِ الْمُقَابَلِ بِالْمَالِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَكَذَا أَنْ تَقُولَ قَوْلُهُ وَالدَّيْنُ مَالٌ مَنْقُوضٌ بِقَوْلِهِ لَوْ حَلَفَ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي الْأَيْمَانِ فَتَأَمَّلْ وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْأَجَلَ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ فَأَعْطَى لَهُ حُكْمَ الْمَالِ وَبَدَلَ الْكِتَابَةِ مِنْ وَجْهٍ غَيْرَ مَالٍ حَتَّى لَا تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ فَاعْتَدَلَا بِخِلَافِ الْعَقْدِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ رِبًا؛ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ أَمْكَنَ جَعْلُهُ فَسْخًا لِلْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَجْدِيدَ الْعَقْدِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ قَالَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ فِي قَوْلِهِ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُكَاتَبِ مَالٌ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ جَائِزٌ وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ حَالًّا وَأَقُولُ: هَذِهِ الْمُنَاقَشَةُ إنَّمَا تُظْهِرُ أَنْ لَوْ أَرَادُوا نَفْيَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ إلَّا بِهِ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ وَهِيَ أَدَاءُ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْأَدَاءِ.

وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا بِذَلِكَ نَفْيَ الْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ وَهُوَ مَا يُوجِبُ الْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَكُونُ لِلْمُنَاقَشَةِ مَجَالٌ لِظُهُورِ أَنَّ الْيُسْرَ عَلَى الْأَدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْأَجَلِ فَتَأَمَّلْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَى عَيْنٍ جَازَ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ وَالِاسْتِبْدَالُ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصْفٍ أَبْيَضَ فَصَالَحَهُ عَلَى وَصْفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ يَدًا بِيَدٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ عَلَى دَيْنٍ بِعَيْنٍ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْمَوْلَى مُكَاتَبَةً بِمَا عَلَيْهِ سَنَةً يَخْدُمُهُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَعَتَقَ الْعَبْدُ لِلْحَالِّ؛ لِأَنَّ مَوْلَاهُ مَلَكَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِالتَّعْجِيلِ فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَنْهُ فَإِنْ خَدَمَهُ الْمُكَاتَبُ شَهْرًا، ثُمَّ مَاتَ انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ وَبَرِئَ الْمُكَاتَبُ مِنْ صِحَّةِ مَا خَدَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>