للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ، وَلَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا مِائَةً وَضَمَّهَا فَالزِّيَادَةُ كُلُّهَا عَلَيْهِ نِصْفُهَا بِالْأَصَالَةِ وَنِصْفُهَا بِالْكَفَالَةِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يُؤَاخَذُ الْغَائِبُ بِشَيْءٍ) يَعْنِي لَا يُطَالِبُ الْمَوْلَى الْغَائِبَ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِي الْكِتَابَةِ تَبَعًا فَصَارَ نَظِيرَ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَقَبُولُهُ لَغْوٌ) يَعْنِي قَبُولَ الْغَائِبِ وَرَدَّهُ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ قَدْ نَفَذَتْ وَتَمَّتْ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ وَلَا رَدُّهُ كَمَنْ كَفَلَ دَيْنًا عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَبَلَغَهُ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ وَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ حَتَّى لَوْ أَدَّى لَا يَرْجِعُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ كَاتَبَ الْأَمَةَ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَنْ ابْنَيْنِ صَغِيرَيْنِ لَهَا صَحَّ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِثْلُهَا فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ لِمَا أَنَّ الْأُمَّ وَالْأَبَ الرَّقِيقَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ فَيَكُونُ دُخُولُ الْوَلَدِ فِي كِتَابَتِهِمَا بِالشَّرْطِ لَا بِالْوِلَايَةِ كَدُخُولِ الْغَائِبِ فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ وَقَبُولُ الْأَوْلَادِ وَرَدُّهُمْ لَا يُعْتَبَرُ وَفِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ وَامْرَأَتَهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَأَوْلَادِهِمَا الصِّغَارِ، ثُمَّ إنَّ إنْسَانًا قَتَلَ الْوَلَدَ فَقِيمَتُهُ لِلْأَبَوَيْنِ، وَلَوْ غَابَ الْأَبُ فَأَرَادَ الْمَوْلَى اسْتِسْعَاءَ الْوَلَدِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا سَبِيلَ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى كَسْبِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ تَبَعًا فَكَانَ كَسْبُهُ تَبَعًا وَيَدْفَعُ حِصَّتَهُ عَنْ الْأَبَوَيْنِ إنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَدَّى حَالًّا وَإِلَّا رُدَّ فِي الرِّقِّ إنْ وَقَعَتْ الْكِتَابَةُ وَهُوَ كَبِيرٌ وَإِنْ وَقَعَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ يَسْعَى عَلَى نُجُومِهِمَا فَيَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ تَبَعًا لَهُمَا وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ اهـ.

وَذِكْرُ الْأُمِّ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ قَالَ فِي الْمُحِيطِ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَإِنْ رُدَّ فِي الرِّقِّ رُدَّ الْوَلَدُ فِي الرِّقِّ وَإِنْ مَاتَ الْأَبُ سَعَى الْأَوْلَادُ وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا عَاجِزِينَ رُدُّوا فِي الرِّقِّ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ فَإِنْ قَالُوا نَسْعَى لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزُوا وَسَعَى بَعْضُهُمْ وَأَدَّى لَمْ يَرْجِعْ عَلَى إخْوَتِهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى عَنْ أَبِيهِ لَا عَنْ إخْوَتِهِ فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا أَدَّى؛ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِأَدَائِهِ وَلِلْمَوْلَى أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَدَاءِ جَمِيعِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ أَبِيهِ وَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى بَعْضَهُمْ رُفِعَتْ حِصَّتُهُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلَوْ كَانُوا كِبَارًا فَكَاتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَأَدَّى عَتَقُوا وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصِّغَارِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَأَيٌّ أَدَّى لَمْ يَرْجِعْ) لِمَا ذَكَرْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَائِبِ، وَلَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بِحِصَّتِهِمْ يُؤَدُّونَهَا فِي الْحَالِّ بِخِلَافِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ وَالْمُشْتَرَى حَيْثُ يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا وَيُطَالِبُ الْمَوْلَى الْأُمَّ بِالْبَدَلِ دُونَهُمْ، وَلَوْ أَعْتَقَهُمْ سَقَطَ عَنْهَا حِصَّتُهُمْ وَعَلَيْهَا الْبَاقِي عَلَى نُجُومِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمْ، وَلَوْ أَبْرَأَهُمْ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُمْ لَا يَصِحُّ وَلَهَا يَصِحُّ وَيُعْتَقُونَ مَعَهَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابَةِ الْحَاضِرِ مَعَ الْغَائِبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابَةِ عَبْدٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ شَرَعَ فِي كِتَابَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ قَالَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ ذَكَرَ كِتَابَةَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ كِتَابَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (عَبْدٌ لَهُمَا أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حِصَّتَهُ بِأَلْفٍ وَيَقْبِضَ بَدَلَ الْكِتَابَةِ فَكَاتَبَ وَقَبَضَ بَعْضَهُ فَعَجَزَ فَالْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَذِنَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنْ يُكَاتِبَ حَظَّهُ وَتَعْبِيرُ الْمُؤَلِّفِ بِقَوْلِهِ لَهُمَا أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُثَنَّى يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ فَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا يَكُونُ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ وَفِي الْأَصْلِ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لِصِحَّةِ الْفَسْخُ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَالْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ شَرَطَ لَهُ الْقَضَاءَ أَوْ الرِّضَا. اهـ.

وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا هُوَ مُكَاتَبٌ لَهُمَا وَالْمَقْبُوضُ بَيْنَهُمَا وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ تَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تَتَجَزَّأُ كَمَا ذَكَرَ فِي الْإِعْتَاقِ وَفِي الشَّارِحِ وَفَائِدَةُ إذْنِهِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّهُ فِيمَا قَبَضَهُ وَيَخْتَصَّ بِهِ الْقَابِضُ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ بِالْقَبْضِ إذْنٌ لِعَبْدِهِ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ إلَّا إذَا نَهَاهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَيَصِحُّ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ اهـ.

وَجْهُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَنَّ الْمُكَاتَبَ نِصْفُ كَسْبِهِ لَهُ فَإِذَا أَذِنَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَيْنِهِ صَحَّ إذْنُهُ وَتَمَّ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ بِهِ فَكَانَ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَا يَرْجِعُ الْآذِنُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَرَّعَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَبْدُ، وَلَوْ رَجَعَ يَرْجِعُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>