للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجُنُونٍ) يَعْنِي يُحْجَرُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفِيدُ حَصْرَ الْمَنْعِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَفْرَادِ يُفِيدُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ بِالِاتِّفَاقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمَدْيُونِ عَلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَقَوْلُهُ فِي دَلِيلِ التَّعْرِيفِ بِصِغَرٍ إلَى آخِرِهِ تَفْسِيرٌ زَائِدٌ وَتَقْيِيدٌ فَاسِدٌ فَالتَّعْرِيفُ فِيهِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ، وَأَصْلُ التَّعْرِيفِ الْحَقِيقَةُ وَهُوَ لَا يَخْلُو أَمَّا إنْ أَرَادَ أَنْ يُعَرِّفَ الْمَنْعَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُسْقِطَ الزِّيَادَةَ أَوْ يُرِيدَ وَمَجَانَةٍ وَجَهْلٍ وَإِفْلَاسٍ لِيَكُونَ سَبَبًا لِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ سَبَبًا لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ وَالْعَقْلِ وَإِنَّمَا حُجِرَ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى قَوْلُهُ لَا فِعْلًا أَرَادَ فِعْلًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ ذَلِكَ الَّذِي يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا زَنَى أَوْ قَتَلَ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِحُكْمِ الزِّنَا وَهُوَ الْحَدُّ وَبِالنِّسْبَةِ بِحُكْمِ الْقَتْلِ وَهُوَ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَوْلُهُ قَوْلًا نَكِرَةً فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَهِيَ تَخْتَصُّ عِنْدَنَا قَالُوا الْمُرَادُ بِالْأَقْوَالِ هُنَا مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَيُوجِبُ الْحَجْرَ مِنْ الْأَصْلِ بِالْإِعْدَامِ فِي حُكْمِ قَوْلٍ تَمَحَّضَ ضَرَرًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ دُونَ الْعَبْدِ فَإِنَّ طَلَاقَهُ يَقَعُ وَلَمْ يُوجِبْ الْحَجْرَ فِيمَا تَمَحَّضَ نَفْعًا كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَوْلُهُ لَا فِعْلًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فَإِنْ قِيلَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينُ وَالنَّذْرُ كُلُّهَا مِنْ الْأَقْوَالِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ وَالْقَصْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِاعْتِبَارِهَا شَرْعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ لَا سِيَّمَا فِي مَبَاحِثِ الْهَزْلِ فِي الْأُصُولِ فَكَيْفَ حَكَمْت بِأَنَّهَا عَدَمٌ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي اعْتِبَارِهَا إذَا صَدَرَتْ مَعَ تَمَامِ الْأَهْلِيَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ ذُكِرَ لَهُ قَصْدٌ وَمَا يُقْصَدُ وَمَا ذُكِرَ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ مُعْتَبَرٌ فَافْتَرَقَ الْحَالُ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنِ وَلِيٍّ وَسَيِّدٍ) ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ عَدِيمُ الْعَقْلِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَعَقْلُهُ نَاقِصٌ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ الْبُلُوغُ فَيُحْتَمَلُ فِيهِ الضَّرَرُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَوْلَى، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَتَصَرَّفُ بِأَهْلِيَّتِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَبِأَهْلِيَّةِ الْوَلِيِّ وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لِلصَّغِيرِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْبَيْعُ إذَا بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَأَجَازَ الْوَلِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلصَّبِيِّ بِالتَّصَرُّفِ صَحَّ تَصَرُّفُهُ.

[تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ بِحَالٍ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ بِحَالٍ وَلَوْ أَجَازَهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِالتَّمْيِيزِ وَهُوَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ فَصَارَ كَبَيْعِ الطُّوطِيِّ وَإِنْ كَانَ يُجَنُّ تَارَةً وَيُفِيقُ أُخْرَى فَهُوَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالْعَاقِلِ، وَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلُ وَقِيلَ: هُوَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُهُ) يَعْنِي مَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ، وَالشِّرَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُورِينَ وَهُوَ يَعْقِلُهُ أَيْ وَهُوَ يَعْقِلُ أَنَّ الْبَيْعَ سَالِبٌ، وَالشِّرَاءَ جَالِبٌ وَيَعْلَمُ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ مِنْ الْيَسِيرِ وَيَقْصِدُ بِهِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ، وَالزِّيَادَةِ فَالْوَلِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ، وَإِنْ قِيلَ هَذَا فِي الْبَيْعِ يَسْتَقِيمُ وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي قُلْنَا إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ نَفَاذًا كَشِرَاءِ الْفُضُولِيِّ وَهُنَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ أَوْ لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى فَيَتَوَقَّفُ الْكُلُّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْأَقْوَالُ مَوْجُودَةٌ حِسًّا وَمُشَاهَدَةً فَأَمَّا لَهَا شُرُوطٌ فِي اعْتِبَارِهَا شَرْعًا الْقَصْدَ دُونَ الْعَقْلِ أُجِيبَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْأَقْوَالُ الْمَوْجُودَةُ حِسًّا لَيْسَتْ عَيْنَ مَدْلُولِهَا بَلْ دَلَالَاتٌ عَلَيْهَا وَيُمْكِنُ تَخَلُّفُ الْمَدْلُولِ عَنْ دَلِيلِهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْجُودُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ، فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهَا هُوَ عَيْنُهَا فَبَعْدَ مَا وُجِدَتْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُجْعَلَ غَيْرَ مَوْجُودَةٍ. الثَّانِي: الْقَوْلُ قَدْ يَقَعُ صِدْقًا وَكَذِبًا وَيَقَعُ جِدًّا وَهَزْلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَصْدِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ تَصَرُّفُ صَبِيٍّ وَعَبْدٍ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ عَقْدَهُمَا لَا يَنْعَقِدُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمْ وَهُوَ يَعْقِلُهُ يُجِيزُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَفْسَخُ يُفِيدُ أَنْ يَنْعَقِدَ مَوْقُوفًا وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ لَا يَنْفُذُ وَهُوَ شَائِعٌ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ قِيلَ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ وَمَنْ عَقَدَ مِنْهُمَا بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ دُونَ الْجَمْعِ يَعْنِي الصَّبِيَّ، وَالْعَبْدَ قُلْنَا فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: الْمَغْلُوبُ غَيْرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>