للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُرُوجَ الْمِلْكِ عَنْ الْبَائِعِ وَلَوْ أُسْقِطَ لَفْظُ سَيِّدِهِ وَذُكِرَ مَكَانُهُ وَمَوْتُ غَيْرِ الْقَاضِي أَوْ أَرَادَ فِيهِ كِتَابَ الشُّبْهَةِ لَكَانَ أَوْلَى وَأَسْلَمَ؛ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ السَّيِّدَ، وَالْأَبَ، وَالْوَصِيَّ وَأُخْرِجَ مَوْتُ الْقَاضِي وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَجُنُونُ أَحَدِهِمَا وَلُحُوقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ جُنُونَ الْعَبْدِ وَلُحُوقَهُ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فَائِدَةً.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْإِبَاقِ) يَعْنِي بِالْإِبَاقِ أَيْضًا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ حُكْمًا عَلِمَ أَهْلُ السُّوقِ أَوْ لَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِالْإِبَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ الْآبِقِ صَحَّ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ إذَا بَلَغَهُ فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ الْإِبَاقَ أَوْلَى وَصَارَ كَمَا إذَا غَصَبَ وَلَنَا أَنَّ الْمَوْلَى لَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ عَبْدِهِ الْمُتَمَرِّدِ عَنْ طَاعَتِهِ عَادَةً فَصَارَا مَحْجُورًا عَلَيْهِ دَلَالَةً، وَالْحَجْرُ يَثْبُتُ دَلَالَةً كَالْإِذْنِ، وَالْإِبَاقُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْإِذْنِ عِنْدَنَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَالدَّلَالَةُ سَاقِطَةٌ لِغَيْرِهِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهَا وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّلَالَةِ اعْتِبَارٌ عِنْدَ وُجُودِ التَّصْرِيحِ بِخِلَافِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِيرَ الْآبِقُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي الْبَاقِي أَيْضًا لِوُجُودِ التَّصْرِيحِ مِنْ الْمَوْلَى بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَانَ دَلَالَةُ الْحَجْرِ فِي الْبَقَاءِ مُخَالِفَةً لِدَلَالَةِ التَّصْرِيحِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَبَرَ.

وَالْجَوَابُ بِأَنَّ وُجُودَ التَّصْرِيحِ بِالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَهُ إلَى حَالِ الْإِبَاقِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ فِي الْبَقَاءِ بِاعْتِبَارِ اسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَهِيَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَلِهَذَا تَكُونُ دَافِعَةً لَا مُثْبِتَةً فَيَجُوزُ أَنْ تَتَرَجَّحَ الدَّلَالَةُ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْغَصْبُ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى يَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِأَنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُقِرًّا بِالْغَصْبِ أَوْ كَانَ لِلْمَالِكِ بَيِّنَةٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنْزِعَهُ بِهَا فَيَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً وَلَوْ عَادَ مِنْ الْإِبَاقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يَعُودُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَأْبَقْ وَلَكِنْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ وَجَحَدَ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَالْبَيِّنَةُ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُتَمَسِّكٌ بِمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الْأَصْلِ بِاتِّفَاقِهِمَا، وَالْمَوْلَى ادَّعَى أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُتَمَسِّكِ بِالْأَصْلِ وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى تَنْفِي جَوَازَهُ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَنْفِيِّ لَا تُقْبَلُ.

وَلَوْ غَصَبَ رَجُلٌ عَبْدًا مَحْجُورًا وَلَا إذْنَ لِلْمَوْلَى وَحَلَفَ الْغَاصِبُ فَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ وَمَوْلَاهُ سَاكِتٌ ثُمَّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاسْتَرَدَّهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ الْعَبْدِ وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمَوْلَى إذْنٌ حُكْمِيٌّ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ صَرِيحًا، وَالْغَاصِبُ جَاحِدٌ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ لَا يَصِحُّ الْإِذْنُ فَالْحُكْمِيُّ أَوْلَى.

وَإِنْ أُسِرَ الْعَبْدُ وَأُحْرِزَ بِدَارِ الْحَرْبِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى إذْنِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا غَصَبَهُ غَاصِبٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَحْجُورًا اهـ.

[الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورَةً بِاسْتِيلَادِ الْمَوْلَى]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالِاسْتِيلَادِ) يَعْنِي الْأَمَةُ الْمَأْذُونُ لَهَا تَصِيرُ مَحْجُورَةً بِاسْتِيلَادِ الْمَوْلَى لَهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَوْ أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ ابْتِدَاءً يَجُوزُ فَالنَّفْيُ أَوْلَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِتَحْصِينِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِخُرُوجِهَا وَاخْتِلَاطِهَا بِالرِّجَالِ فِي الْمُعَامَلَةِ، وَالتِّجَارَةِ وَدَلِيلُ الْحَجْرِ كَصَرِيحِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لِأُمِّ وَلَدِهِ صَرِيحًا كَمَا تَقَدَّمَ وَنَظِيرُهُ إذَا قَدَّمَ لِآخَرَ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ حَلَّ لَهُ التَّنَاوُلُ، فَإِذَا نَهَاهُ صَرِيحًا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّنَاوُلُ لِقُوَّةِ الصَّرِيحِ.

قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ وَطِئَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِيهَا حَقَّ الْمِلْكِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ كَالْأَبِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ وَادَّعَاهُ، فَإِنْ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ أَخَذَهَا وَعَقَرَهَا وَقِيمَةَ الْوَلَدِ وَلَا يَرْجِعُ الْمَوْلَى بِالضَّرَرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشِرَاءٍ وَلَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى عَبْدِهِ وَلَوْ وَطِئَ جَارِيَةَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، فَإِنْ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْعَبْدُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِالتَّدْبِيرِ) يَعْنِي الْمَأْذُونُ لَهَا لَا تَصِيرُ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِتَحْصِينِ الْمُدَبَّرَةِ وَلَمْ يُوجَدْ دَلِيلُ الْحَجْرِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا كَانَتْ إذْ لَا تَنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْ التَّدْبِيرِ، وَالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّدْبِيرِ انْعِقَادُ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمَآلِ، وَحُكْمَ الْإِذْنِ فَكُّ الْحَجْرِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ فَكَّ الْحَجْرِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْحُسَامِيِّ جَارِيَةٌ أَذِنَ لَهَا مَوْلَاهَا فِي التِّجَارَةِ فَاسْتَدَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا فَدَبَّرَهَا الْمَوْلَى فَهِيَ مَأْذُونَةٌ، وَالْمَوْلَى ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا لِلْغُرَمَاءِ وَلَوْ وَطِئَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَجَرَ عَلَيْهَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْغُرَمَاءِ. اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَضْمَنُ بِهِمَا قِيمَتَهُمَا لِلْغُرَمَاءِ) يَعْنِي ضَمِنَ الْمَوْلَى بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ قِيمَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِالتَّدْبِيرِ، وَالِاسْتِيلَادِ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ امْتَنَعَ بَيْعُهَا وَبِالْبَيْعِ يُقْضَى حَقُّهُمْ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، فَإِذَا ضَمِنَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لَا سَبِيلَ لَهُمْ عَلَى الْعَبْدِ حَتَّى يُعْتَقَ، وَإِنْ شَاءُوا لَمْ يُضَمِّنُوا الْمَوْلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>