للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحْكَامِ إلَّا أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِمَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ بِخِلَافِ الْمَوْلَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ إقْرَارَ الْمَوْلَى عَلَيْهِمَا شَهَادَةٌ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَدَيْنُهُمَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِمَا لَهُمَا، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا حُرَّانِ فَكَانَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِمَا بَعْدَ الدَّيْنِ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ إذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمَوْلَى الْإِقْرَارَ عَلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَمْلِكَانِهِ وَوِلَايَتُهُمَا مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُ قُلْنَا لَمَّا انْفَكَّ عَنْهُمَا صَارَ كَمَا إذَا انْفَكَّ بِالْبُلُوغِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِخِلَافِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُمَا تَمْتَنِعُ النَّاسُ عَنْ مُعَامَلَتِهِمَا فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالْإِذْنِ فَأَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى قَبُولِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّ التِّجَارَةَ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ مَوْرُوثَةٍ فِي مِلْكِهِمَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التِّجَارَاتِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ انْفِكَاكَ حَجْرِهِ بِالْإِذْنِ كَانْفِكَاكِهِ بِالْبُلُوغِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ غَيْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ]

(فَصْلٌ) وَغَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ لَا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَيَصِيرُ الْوَاحِدُ طَالِبًا مُطَالَبًا وَمُسْتَلَمًا وَمُتَسَلِّمًا وَهَكَذَا الْحَالُ وَكَذَا الْأَبُ، وَالْجَدُّ قِيَاسًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا وَهُوَ أَنَّهُ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ قَامَ مَقَامَ شَخْصَيْنِ وَعِبَارَتُهُ مَقَامَ عِبَارَتَيْنِ وَرَأْيُهُ مَقَامَ رَأْيَيْنِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ وَهُوَ بَالِغٌ وَهُوَ يَتَحَمَّلُ لِحَقِّ الْأُبُوَّةِ لِحُقُوقِ الْعَقْدِ نِيَابَةً عَنْهُ حَتَّى إذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الصَّغِيرِ وَفِيمَا إذَا بَاعَ مَالَهُ لِأَجْنَبِيٍّ فَبَلَغَ الصَّغِيرُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْأَبِ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ لَا بِحُكْمِ الْعَقْدِ لَا يُؤَدِّي إلَى الِاسْتِحَالَةِ.

وَلَوْ اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْهُ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ صَحَّ وَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ بِعْته مِنْهُ أَوْ اشْتَرَيْته لَهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ مَقَامَ كَلَامَيْنِ وَلِأَنَّ نَفْسَ الْقَبُولِ لَا يُعْتَبَرُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الرِّضَا وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةُ الرِّضَا.

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ يَشْتَرِيَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ لَهُ فَفَعَلَ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ لِكَمَالِ هَذِهِ الشَّفَقَةِ فَلَا يُمْكِنُ إلْحَاقُهُ بِالْأَبِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ إلَّا إذَا كَانَ حَاضِرًا وَقِيلَ إنَّهُ يَجُوزُ وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ مِنْ جَانِبِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ أَوْ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْأَبِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ مُبَاحٌ وَلِلصَّغِيرِ فَرْضٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّظَرِ فَيُجْعَلُ الْأَبُ مُتَصَرِّفًا لِلصَّغِيرِ تَحْقِيقًا لِلنَّظَرِ.

وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ مَالِ وَلَدِهِ فَبَاعَ مِنْ مُوَكِّلِهِ أَوْ بَاعَ الْوَالِدُ مَالَ أَحَدِ وَلَدَيْهِ بِمَالِ الْآخَرِ أَوْ أَذِنَ لَهُمَا فِيهِ أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكِيلًا وَوَصِيًّا صَحَّ وَلَوْ أَذِنَ لَهُمَا أَوْ لِعَبْدَيْهِمَا أَوْ وَصِيِّهِمَا فَتَبَايَعَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَفَادَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ عَنْهُ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا الصِّبْيَانُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ بِنَفْسِهِ صَحَّ، فَإِذَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ وَصَحَّ بَيْعُ الْوَصِيِّ مَالَهُ مِنْ الصَّبِيِّ وَشِرَاؤُهُ مِنْهُ بِشَرْطِ نَفْعٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ وَقِيلَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِثَمَانِمِائَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّ مُخْتَارٌ الْأَبَ وَلَكِنَّهُ قَاصِرُ الشَّفَقَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النَّظَرُ يَلْحَقُ بِالْأَبِ وَيُرْوَى رُجُوعُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَإِنْ بَاعَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِحَيْثُ يُتَغَابَنُ فِي مِثْلِهِ جَازَ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ الْعَبْدُ، وَالْوَصِيُّ إذَا بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ

وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى الْأَبُ إذَا أَذِنَ لِابْنَيْهِ فِي التِّجَارَةِ ثُمَّ أَمَرَ رَجُلَانِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لِلْآخَرِ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ هُوَ الْمُعَبِّرَ عَنْهُمَا، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْ أَحَدِهِمَا، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ جَازَ

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ لِلصَّبِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَته فِي قَوْلِ الْإِمَامِ، وَالثَّالِثُ لَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَوْ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ صَارَ مَحْجُورًا وَكَذَا إذَا مَاتَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَإِذَا أَذِنَ لِعَبْدِهِ ابْنُهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَرِثَهُ الْأَبُ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ.

[بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ]

وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِذَا بَاعَ صَبِيٌّ مَحْجُورٌ عَبْدَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَضَمِنَ رَجُلٌ لِلْمُشْتَرِي الدَّرَكَ ثُمَّ دَفَعَ الثَّمَنَ فَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ ثُمَّ ضَمِنَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحِيحَةٌ وَبَعْدَهُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ بَعْدَ قَبْضِ الصَّبِيِّ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ قَالَ ادْفَعْ الثَّمَنَ لِلصَّبِيِّ لِيَكُونَ أَمَانَةً عِنْدَهُ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ لَك فَيَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِلْمَالِ مِنْ الْمُشْتَرِي ثُمَّ أَمَرَ بِدَفْعِهِ إلَى الصَّبِيِّ فَيَنُوبُ قَبْضُ الصَّبِيِّ عَنْ قَبْضِ الضَّامِنِ أَوَّلًا ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْغَصْبِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>