للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ بِالْقَلْعِ وَلَكِنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَدِّيًا فِي الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِيهِ بِالشِّرَاءِ فَلَا يُعَامَلُ بِأَحْكَامِ الْعُدْوَانِ فَصَارَ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَكَمَا إذَا زَرَعَهَا الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يُكَلَّفُ بِالْقَلْعِ لِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الشَّفِيعِ بِإِلْزَامِ قِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ أَهْوَنُ مِنْ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي بِالْقَلْعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَحْصُلُ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ عِوَضَانِ وَهُوَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ فَلَا يُعَدُّ ضَرَرًا وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْمُشْتَرِي بِمُقَابَلَةِ الْقَلْعِ شَيْءٌ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَهْوَنَ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحَمُّلِ وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ بَنَى فِي مَحَلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْهُ فَيَنْتَقِضُ كَالرَّاهِنِ إذَا بَنَى فِي الْمَرْهُونِ وَلِهَذَا تَنْتَقِضُ جَمِيعُ تَصَرُّفَاتِ الْمُشْتَرِي حَتَّى الْوَقْفُ وَالْمَسْجِدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِخِلَافِ الْمَوْهُوبِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِتَسْلِيطٍ مِنْ الْمَالِكِ وَلِهَذَا لَا يَنْتَقِضُ تَصَرُّفُهُمَا وَفِي الزَّرْعِ الْقِيَاسُ أَنْ يَقْلَعَ إلَّا أَنَّنَا اسْتَحْسَنَّا وَلِذَا قُلْنَا لَا يَقْلَعُ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ كَبِيرُ ضَرَرٍ بِالتَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُتْرَكُ بِأُجْرَتِهِ، فَإِنْ قُلْت الِاسْتِرْدَادُ عِنْدَهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَإِنَّ جَوَازَ الِاسْتِرْدَادِ يُنَافِي أَنَّهُ لَا يُكَلَّفُ الْقَلْعَ بَلْ يَقْتَضِي الْقَلْعَ كَمَا فِي الشَّفِيعِ قُلْت يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ وَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا احْتِجَاجٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ صَاحِبُ غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذَا بَعِيدٌ وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْبِنَاءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ وَالثَّانِي كَمَا قَالَ الْإِمَامُ ذَكَرَهُ فِي الْإِيضَاحِ قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ احْتِرَازًا عَنْ الزَّخْرَفَةِ وَفِي قَاضِي خان وَلَوْ اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا وَزَخْرَفَهَا بِالنُّقُوشِ شَيْءٌ كَثِيرٌ كَانَ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ فِيهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. اهـ.

قَالَ فِي الْمُحِيطِ؛ لِأَنَّ نَقْصَ صِفَتِهِ لَا يُمْكِنُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا بَنَى عَلَى الدَّارِ الْمَشْفُوعَةِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَأْخُذَ الدَّارَ وَيُعْطِيَهُ مَا زَادَ فِيهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ إذَا قُلِعَ لَهُ قِيمَةٌ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ الزَّخْرَفَةِ قَوْلُهُ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ مِثَالٌ وَلَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ زَرَعَهَا رَطْبَةً أَوْ كَرْمًا يُؤْمَرُ بِقَلْعِهِ كَالْبِنَاءِ

[الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَلَعَهُمَا الشَّفِيعُ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ بِالثَّمَنِ فَقَطْ) يَعْنِي أَنَّ الشَّفِيعَ إذَا أَخَذَ الْأَرْضَ بِالشُّفْعَةِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَكَلَّفَ الْمُسْتَحِقُّ الشَّفِيعَ بِالْقَلْعِ فَقَلَعَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ رَجَعَ الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ أَوْ عَلَى الْبَائِعِ إنْ أَخَذَهَا مِنْهُ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ كَالْمُشْتَرِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مَغْرُورٌ وَمِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ وَمُسَلَّطٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا غُرُورَ وَلَا تَسْلِيطَ لِلشَّفِيعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ أَخَذَهَا مِنْهُ جَبْرًا وَنَظِيرُهُ الْجَارِيَةُ الْمَأْسُورَةُ إذَا اسْتَرَدَّهَا الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ مَالِكِهَا الْجَدِيدِ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِالثَّمَنِ فَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِهِ وَضَمِنَ قِيمَةَ الْوَلَدِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا دَفَعَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مُشْتَرِيًا حَيْثُ يَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِكُلِّ الثَّمَنِ إنْ خَرِبَتْ الدَّارُ وَجَفَّ الشَّجَرُ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ غَرْسٌ فَانْهَدَمَ الْبِنَاءُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ يَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَا يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا تَابِعَانِ لِلْأَرْضِ يَدْخُلَانِ فِي بَيْعِهَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَلَا يُقَابِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلِهَذَا يَبِيعُهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُرَابَحَةً مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَ بَعْضُ الْأَرْضِ بِغَرَقٍ حَيْثُ يَسْقُطُ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ بَعْضُ الْأَصْلِ هَذَا إذَا انْهَدَمَ الْبِنَاءُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ نَقْضٌ وَلَا مِنْ الشَّجَرِ شَيْءٌ مِنْ حَطَبٍ أَوْ خَشَبٍ، أَمَّا إذَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَأَخَذَهُ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَنِ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ قَائِمٍ بَقِيَ يُحْبَسُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الدَّارِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَعَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ يَوْمَ الْأَخْذِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَجَفَّ الشَّجَرُ لِيَخْرُجَ الثَّمَرُ إذَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ صُنْعٍ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَلَوْ هَلَكَ الثَّمَرُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ أَحَدٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ سَقَطَ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَسَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبِحِصَّةِ الْعَرْصَةِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ) يَعْنِي أَخَذَ الشَّفِيعُ الْعَرْصَةَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إنْ نَقَضَ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْصُودًا بِالْإِتْلَافِ وَيُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ يَوْمَ الْعَقْدِ وَنَقْضُ الْأَجْنَبِيِّ الْبِنَاءَ كَنَقْضِ الْمُشْتَرِي وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ لَمْ يَهْدِمْ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ وَلَكِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ إرْضَاءٍ ثُمَّ حَضَرَ الشَّفِيعُ فَلَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>