للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِّهِ فِي الْقَرْضِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَادَلَةً لَمَا صَحَّ فِي الْقَرْضِ قَبْضٌ لِلِافْتِرَاقِ قَبْلَ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَلَا فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِحُرْمَةِ الِاسْتِبْدَالِ فِيهِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ: فَإِنْ قُلْتَ: لَيْسَ أَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ كِتَابَ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ وَصِيُّ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا، وَفِي التَّرِكَةِ خُمُورٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ قِسْمَتُهُمَا وَلَوْ كَانَ الرُّجْحَانُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ لِلْإِفْرَازِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ إذَا وَكَّلَ مُسْلِمًا أَنْ يَقْبِضَ خَمْرًا لَهُ جَازَ قَبْضُهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.،

قُلْتُ: ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إذَا كَانَ فِي التَّرِكَةِ خُمُورٌ لَا يُكْرَهُ لِلْوَصِيِّ الْمُسْلِمِ قِسْمَتُهَا لِأَنَّ هَذَا إفْرَازٌ مَحْضٌ لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ الْمُبَادَلَةِ، وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْقِسْمَةُ إذَا كَانَ مَعَ الْخَمْرِ الْخَنَازِيرُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ مُبَادَلَةً، وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ قَالُوا: لَا بَلْ يُكْرَهُ قِسْمَةُ الْخُمُورِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالشَّبَهَيْنِ فِي قِسْمَةِ الْخُمُورِ وَحْدَهَا يُمْكِنُ بِإِثْبَاتِ الْكَرَاهَةِ، وَمَعْنَى الْكَرَاهَةِ هُنَا هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ الْمُطْلَقِ وَالْحَرَامِ الْمَحْضِ، وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ أَظْهَرَ لِلتَّفَاوُتِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ أَخَذَ عَيْنَ حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُعَادَلَةِ بَيْنَهُمَا بِيَقِينٍ وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا فَاقْتَسَمَاهَا لَا يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مُرَابَحَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ: إنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُعَرَّى عَنْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ إفْرَازٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ مُبَادَلَةٌ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عِوَضٌ مِمَّا فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَلَيْسَ بِمِثْلٍ لَهُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْإِفْرَازِ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى ذَلِكَ الْبَعْضِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ الْإِفْرَازُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَعْضَ حَقِّهِ فِي الْجُمْلَةِ فَثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمُبَادَلَةِ وَالْإِفْرَازِ غَيْرَ أَنَّ الظُّهُورَ لِلْمُبَادَلَةِ.

[طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيُجْبَرُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ لَا فِي غَيْرِهِ) يَعْنِي إذَا طَلَبَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ يُجْبَرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، أَوْ لَا، وَلَا يُجْبَرُ فِي غَيْرِ مُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَالْغَنَمِ مَعَ الْإِبِلِ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ الْمَعْنَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ قِسْمَةٌ لَا يُجْبَرُ الْآبِي عَلَيْهَا كَقِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْآبِي كَقِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَقِسْمَةٌ يُجْبَرُ الْآبِي فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَالثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَالْخِيَارَاتُ ثَلَاثَةٌ: خِيَارُ شَرْطٍ، وَخِيَارُ رُؤْيَةٍ، وَخِيَارُ عَيْبٍ فَفِي قِسْمَةِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ تَثْبُتُ الْخِيَارَاتُ الثَّلَاثُ، وَفِي قِسْمَةِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ كَالْمَكِيلِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ، فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ يَثْبُتَانِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِخِلَافِ خِيَارِ الشَّرْطِ، وَفِي قِسْمَةِ الثِّيَابِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ يَثْبُتُ خِيَارُ الْعَيْبِ وَهَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ؟ يَثْبُتُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: الْقَاضِي لَا يَقْسِمُ الْأَجْنَاسَ الْمُخْتَلِفَةَ قِسْمَةَ جَمْعٍ إذَا أَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ إبِلٌ وَغَنَمٌ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَالْقَاضِي لَا يَقْسِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي الْجِنْسِ الْمُتَّحِدِ يَقْسِمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ عِنْدَ طَلَبِ الْبَعْضِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمْ غَنَمٌ كَثِيرَةٌ، أَوْ إبِلٌ كَثِيرَةٌ وَطَلَبَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ نَصِيبَهُ فِي طَائِفَةٍ مِنْهَا فَعَلَ الْقَاضِي ذَلِكَ. اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ اعْتَرَضَ عَلَى قَوْلِهِ " يُجْبَرُ " بِأَنَّ الْمُبَادَلَةَ مُعْتَبَرَةٌ فِيهَا فَكَيْفَ يُجْبَرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُجْبَرُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْغَرِيمِ يُحْبَسُ حَتَّى يُبَاعَ مَالُهُ لِبَعْضِ الدَّيْنِ وَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْغُرُورِ فِيهَا حَتَّى لَوْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا الدَّارَ وَبَنَى فِي نَصِيبِهِ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ الَّتِي بَنَى فِيهَا لَا يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ إذَا نُقِضَ اهـ.

وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ صَادِقٌ بِطَلَبِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَسَيَأْتِي تَقْيِيدُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ نَصْبُ قَاسِمٍ - رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لِيَقْسِمَ بِلَا أَجْرٍ) .

يَعْنِي يُسْتَحَبُّ نَصْبُ قَاسِمٍ وَرِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ جِنْسِ الْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَتِمُّ بِهِ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَأَشْبَهَ رِزْقَ الْقَاضِي وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْعَامَّةِ كَمَنْفَعَةِ الْقَضَاءِ وَالْمُقَاتِلِ وَالْمُفْتِي فَتَكُونُ كِفَايَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ أُعِدَّ لِمَصَالِحِهِمْ كَمَنْفَعَةِ هَؤُلَاءِ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَغَيْرِهَا: وَيَنْصِبُ الْقَاضِي قَاسِمًا، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ بِنَفْسِهِ وَيَأْخُذَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَاسِمِينَ أُجْرَةً وَهَذَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَيْسَتْ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى لَا يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الْآبِي عَلَى الْقِسْمَةِ إلَّا أَنَّ لَهَا شَبَهًا بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهَا تُسْتَفَادُ مِنْهُ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِلَّا نَصَبَ قَاسِمًا يَقْسِمُ بِأُجْرَةٍ بِعَدَدِ الرُّءُوسِ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَنْصِبْ قَاسِمًا رِزْقُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ نَصَبَهُ وَجَعَلَ رِزْقَهُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِأَنَّ النَّفْعَ لَهُمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ حَقِيقَةً حَتَّى جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>