للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنْسَانًا، أَوْ شَرِبَ مَاءً يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا فَلَا لِأَنَّ إيقَاعَ الذَّبْحِ مُتَّصِلٌ بِالتَّسْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِجَرْحٍ فَأُقِيمَ الْمَجْلِسُ مَقَامَ الِاتِّصَالِ وَالْعَمَلُ الْقَلِيلُ لَا يَقْطَعُ الْمَجْلِسَ فَيَكُونُ مَذْبُوحًا عَلَى التَّسْمِيَةِ وَالْكَثِيرُ يَقْطَعُ فَيَفْصِلُ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ مَذْبُوحًا بِغَيْرِ تَسْمِيَةٍ.

وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ جَازَ، نَوَى، أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَظَاهِرُ حَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ فَيَقَعُ عَنْهَا مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الصَّرْفُ عَنْهَا حَتَّى لَوْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى غَيْرِهِ كَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَرَادَ بِهِ إجَابَةَ الْأَذَانِ لَا افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَصِرْ شَارِعًا فِيهَا وَلَوْ سَبَّحَ، أَوْ حَمِدَ اللَّهَ، أَوْ كَبَّرَ يُرِيدُ بِهِ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ تَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّسْمِيَةِ وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الصَّرِيحِ بِالنِّيَّةِ وَلَوْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ بِغَيْرِ هَاءِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ يَحِلُّ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَحْذِفُ حَرْفًا تَرْخِيمًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتِمَّةِ رَجُلٌ ذَبَحَ لِلضَّيْفِ شَاةً فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فَقَالَ: يَحِلُّ أَكْلُهُ وَلَوْ ذَبَحَ لِأَجْلِ قُدُومِ الْأَمِيرِ أَوْ قُدُومِ وَاحِدٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ يَحْرُمُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ ذَبَحَهَا لِأَجْلِهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى ذَبَحَ شَاةً مَجُوسِيٌّ لِأَجْلٍ بَيْتِ نَارِهِمْ، أَوْ ذَبَحَ كَافِرٌ لِآلِهَتِهِمْ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمْ وَلَا فَرْقَ فِي الذَّابِحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى حُرًّا، أَوْ عَبْدًا صَبِيًّا، أَوْ بَالِغًا نَاطِقًا أَمْ أَخْرَسَ أَوْ أَقْلَفَ. اهـ. .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَحَلَّ لَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي حَلَّ الْمُذَكَّى لَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ نَاسِيًا وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَحِلُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ لَا فَصْلَ فِيهِ قُلْنَا: إنَّ النِّسْيَانَ مَرْفُوعُ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» ، وَفِي اعْتِبَارِهِ حَرَجٌ وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَالنَّصُّ غَيْرُ مُجْرًى عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِهِ مُطْلَقًا لَمَا جَرَتْ الْمُحَاجَجَةُ بَيْنَ السَّلَفِ وَارْتَفَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ، وَإِقَامَةُ الْمِلَّةِ مَقَامَ التَّسْمِيَةِ فِي حَقِّ النَّاسِي لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا يَدُلُّ عَلَى إقَامَتِهَا فِي حَقِّ الْعَامِدِ لِعَدَمِ عُذْرِهِ وَلَا يُقَالُ: الْآيَةُ مُجْمَلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ أُرِيدَ بِهِ حَالَةُ الذَّبْحِ، أَوْ حَالَةُ الطَّبْخِ، أَوْ حَالَةُ الْأَكْلِ لِأَنَّا نَقُولُ أَجْمَعَ السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا حَالَةُ الذَّبْحِ فَتَكُونُ مُفَسَّرَةً فَتَمَّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا، ثُمَّ التَّسْمِيَةُ فِي ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ الذَّبْحِ قَاصِدًا التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَفِي الْيَنَابِيعِ وَلَوْ سَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ جَازَ.

وَفِي الْأَصْلِ وَلَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ وَسَمَّى فَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَوْ أَرَادَ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحَةِ، وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ التَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْهَاءَ قَالَ: لَا يَجُوزُ، وَقَالَ الْفَقِيهُ: إنْ لَمْ يَقْصِدْ تَرْكَ الْهَاءِ يَجُوزُ اهـ.

[مَا يَقُولهُ عِنْد الذَّبْح]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُرِهَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرَهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الذَّبْحِ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ جَازَ) وَهَذَا النَّوْعُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَيُكْرَهَ وَلَا تَحْرُمَ الذَّبِيحَةُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ لِأَنَّ اسْمَ الرَّسُولِ غَيْرُ مَذْكُورٍ عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ فَيَكُونُ مُبْتَدَأً لَكِنْ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً، وَإِنْ قَالَ بِالْخَفْضِ لَا يَحِلُّ ذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الْإِعْرَابُ بَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا عَلَى سَبِيلِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْجَرِّ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ؛ لِأَنَّهُ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٧٣] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَوْطِنَانِ لَا أُذْكَرُ فِيهِمَا عِنْدَ الْعُطَاسِ وَالذَّبْحِ» ، وَلَوْ رَفَعَ الْمَعْطُوفَ عَلَى اسْمِ اللَّهِ يَحِلُّ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَاخْتَلَفُوا فِي النَّصْبِ قِيلَ يُكْرَهُ فِيهَا بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْوَصْلِ صُورَةً.

الثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ مَفْصُولًا عَنْهُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يُضْجِعَ الشَّاةَ، أَوْ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنِّي، أَوْ مِنْ فُلَانٍ وَهَذَا لَا يُكْرَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذَا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّنْ شَهِدَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ» وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَقُولُ إذَا أَرَادَ الذَّبْحَ «اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي» إلَخْ وَالشَّرْطُ هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ حَتَّى لَوْ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاكْتَفَى لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَسُؤَالٌ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةَ حَلَّ وَلَوْ عَطَسَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْحَمْدَ عَلَى النِّعْمَةِ دُونَ التَّسْمِيَةِ وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، وَفِي النَّوَازِلِ إذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْخَفْضِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي بَابِ الصَّلَاةِ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمُحَمَّدٍ بِالْوَاوِ

<<  <  ج: ص:  >  >>