للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَضَحَّيَا بِهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ اهـ.

[الْأَكْلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ وَيُؤْكِلُ وَيَدَّخِرُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ قَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالنُّصُوصُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَهُوَ غَنِيٌّ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهُ إطْعَامُ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الصَّدَقَةَ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثَةٌ: الْإِطْعَامُ وَالْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: ٣٦] أَيْ السَّائِلَ وَالْمُتَعَرِّضَ لِلسُّؤَالِ، فَانْقَسَمَ عَلَيْهِ أَثْلَاثًا وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ، وَلَك أَنْ تَقُولَ الْأَمْرُ لِمُطْلَقِ الْوُجُوبِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ " وَأَطْعِمُوا " وُجُوبُ الْإِطْعَامِ وَالْمُدَّعَى اسْتِحْبَابُهُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي الْجَوَابِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ بِالنَّذْرِ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا شَيْئًا وَلَا أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا، أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَضَحَّى بِهَا، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ،

قَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا وَبِهِ تَأْخُذُ، وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَلَمْ يُسَمِّ يَنْصَرِفُ إلَى الشَّاةِ. أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِمَالِهِ أُضْحِيَّةٌ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ فِي الثُّلُثِ وَيُشْتَرَى بِهِ شَاةٌ يُضَحَّى بِهَا وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بَقَرَةٌ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيُضَحَّى وَلَمْ يَبْلُغْ ثُلُثُ مَالِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُشْتَرَى بِقَدْرِ مَا بَلَغَ وَكَذَا لَوْ لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا يُشْتَرَى بِقَدْرِ الثُّلُثِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا، أَوْ يَعْمَلُ مِنْهُ نَحْوَ غِرْبَالٍ، أَوْ جِرَابٍ) لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ التَّصَدُّقُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَهَا وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يَنْتَفِعُ بِعَيْنِهِ مَعَ بَقَائِهِ اسْتِحْسَانًا وَذَلِكَ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ لِلْبَدَلِ حُكْمَ الْمُبْدَلِ وَلَا يَشْتَرِي بِهِ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، نَحْوُ اللَّحْمِ وَالطَّعَامِ وَلَا يَبِيعُهُ بِالدَّرَاهِمِ لِيُنْفِقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ عَلَى قَصْدِ التَّمَوُّلِ، وَاللَّحْمُ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ فِي الصَّحِيحِ فَلَا يَبِيعُهُ بِمَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ وَلَوْ بَاعَهَا بِالدَّرَاهِمِ لِيَتَصَدَّقَ بِهَا جَازَ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ كَالتَّصَدُّقِ بِالْجِلْدِ وَاللَّحْمِ وَقَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِ فَلَا أُضْحِيَّةَ لَهُ» يُفِيدُ كَرَاهِيَةَ الْبَيْعِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَجَائِزٌ لِوُجُودِ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ.

[أُجْرَةَ الْجَزَّارِ هَلْ تَأْخَذ مِنْ الْأُضْحِيَّة]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَا يُعْطِي أُجْرَةَ الْجَزَّارِ مِنْهَا شَيْئًا) وَالنَّهْيُ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِمُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فَصَارَ مُعَاوَضَةً كَالْبَيْعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجُزَّ صُوفَهَا قَبْلَ الذَّبْحِ فَيَنْتَفِعَ بِهِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ إقَامَةَ الْقُرْبَةِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الذَّبْحِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ أُقِيمَتْ بِهَا وَالِانْتِفَاعُ بَعْدَهَا مُطْلَقٌ لَهُ وَيُكْرَهُ بَيْعُ لَبَنِهَا كَمَا فِي الصُّوفِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَجَازَ الِانْتِفَاعَ بِهِ يَعْنِي بِلَبَنِهَا وَصُوفِهَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي حَقِّهِ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَاسْتِعْمَالُهَا وَلَوْ اكْتَسَبَ مَالًا مِنْ لَبَنِهَا يَتَصَدَّقُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ وَلَا يَشْتَرِي بِالْجِلْدِ الْخَلَّ وَالزَّيْتَ فَلَوْ مَاتَتْ أُضْحِيَّتُهُ فَحَلَبَ لَبَنَهَا وَجَزَّ صُوفَهَا وَسَلَخَ جِلْدَهَا فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ لَحْمَ الْأُضْحِيَّةِ عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ قَالَ نَعَمْ وَسُئِلَ الْوَبَرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَقَعُ الْمَوْقِعَ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَسُئِلَ عَلِيٌّ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ دَيْنٌ عَلَى مُقِرٍّ هَلْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: هَلْ عَلَيْهِ أُضْحِيَّةٌ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ مَالَهُ مُسْتَقْرَضٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ وَسُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ لَهُ دُيُونٌ مُؤَجَّلَةٌ، أَوْ غَيْرُ مُؤَجَّلَةٍ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ مُقِرٌّ حَتَّى جَاءَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَعَلَيْهِ شِرَاءُ الْأُضْحِيَّةِ هَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْرِضَ وَيَشْتَرِيَ أُضْحِيَّةً؟

فَقَالَ: لَا قِيلَ لَهُ: هَلْ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ يَسْأَلَ الْمَدْيُونَ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَأَلَهُ أَعْطَاهُ ثَمَنَ الْأُضْحِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا؟

قَالَ: نَعَمْ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةً وَلَبَنُهَا وَسَمْنُهَا وَاحِدٌ فَحَبَسُوهَا فِي بَيْتٍ فَلَمَّا أَصْبَحُوا وَجَدُوا وَاحِدَةً مِنْهَا مَيِّتَةً وَلَا يُدْرَى لِمَنْ هِيَ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ هَذِهِ الْأَغْنَامُ جُمْلَةً وَيُشْتَرَى بِقِيمَتِهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ، ثُمَّ يُؤْكِلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ بِذَبْحِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَيُحَلِّلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ لِتَجُوزَ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَنُدِبَ أَنْ يَذْبَحَ بِيَدِهِ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْأَوْلَى فِي الْقُرَبِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَ بِيَدِهِ نَيِّفًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى الْحَرْبَةَ عَلِيًّا فَنَحَرَ الْبَاقِيَ» ، وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ كَيْ لَا يَجْعَلَهَا مَيْتَةً وَلَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>