للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ أَكْلِهَا وَشُرْبِ لَبَنِهَا» وَالْجَلَّالَةُ هِيَ الَّتِي تَعْتَادُ أَكْلَ الْجِيَفِ وَلَا تَخْلِطُ فَيَكُونُ لَحْمُهَا مُنْتِنًا وَلَوْ حُبِسَتْ حَتَّى يَزُولَ النَّتْنُ حَلَّتْ وَلَمْ يُقَدِّرْ لِذَلِكَ الْمُدَّةَ فِي الْأَصْلِ وَقَدَّرَ فِي النَّوَادِرِ بِشَهْرٍ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي الْإِبِلِ وَبِعِشْرِينَ يَوْمًا فِي الْبَقَرِ وَبِعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّاةِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الدَّجَاجَةِ وَاَلَّتِي تَخْلِطُ بِأَنْ تَتَنَاوَلَ النَّجَاسَةَ وَالْجِيَفَ وَتَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي لَحْمِهَا فَلَا بَأْسَ بِحِلِّهَا وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ جَذَعٍ تَغَذَّى بِلَبَنِ الْخِنْزِيرِ لِأَنَّ لَحْمَهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَمَا تَغَذَّى بِهِ يَصِيرُ مُسْتَهْلَكًا لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ وَلِهَذَا قَالُوا: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الدَّجَاجِ لِأَنَّهَا تَخْلِطُ وَلَا يَتَغَيَّرُ لَحْمُهُ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الدَّجَاجَ يُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يُذْبَحُ فَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ شَعِيرٍ يُوجَدُ فِي بَعْرِ الْإِبِلِ وَالشَّاةِ فَيُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ، وَإِنْ فِي أَحْشَاءِ الْبَقَرِ وَرَوْثِ الْفَرَسِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْبَعْرَ صَلْبٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ النَّجَاسَةُ فِي أَجْزَاءِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ دُودِ الزَّيْتُونِ قَبْلَ أَنْ تُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ لِأَنَّ إثْمَ الْمَيِّتِ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَهُ رُوحٌ وَيُكْرَهُ دَفْعُ الْجَهْدِ مِنْ السِّقَايَةِ وَحَمْلُهُ إلَى الْمَنْزِلِ لِأَنَّهُ وُضِعَ لِلشُّرْبِ لَا لِلْحَمْلِ وَالْحَطَبُ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ لَا قِيمَةَ لَهُ فَهُوَ حَلَالٌ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فَلَا وَلَا بَأْسَ بِمَضْغِ الْعِلْكِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ سِنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنْ سِنِّ الرِّجَالِ فَأُقِيمَ الْعِلْكُ لَهُنَّ مَقَامَ السِّوَاكِ وَلَا بَأْسَ لِلنِّسَاءِ بِخِضَابِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَا لَمْ يَكُنْ خِضَابٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَزَيُّنٌ وَهُوَ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ دُونَ الرِّجَالِ وَلَا بَأْسَ بِخِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ بِالْحِنَّاءِ وَالْوَشْمَةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

وَيَجُوزُ رَفْعُ الثِّمَارِ مِنْ نَهْرٍ جَارٍ وَأَكْلُهَا، وَإِنْ كَثُرَ لِأَنَّهُ مِمَّا يُفْسِدُ الْمَاءَ إذَا تُرِكَ فَيَكُونُ مَأْذُونًا بِالرَّفْعِ دَلَالَةً.

رَجُلٌ نَثَرَ السُّكَّرَ فَوَقَعَ فِي حِجْرِ رَجُلٍ فَأَخَذَهُ رَجُلٌ آخَرُ مِنْهُ إنْ كَانَ فَتَحَ حِجْرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ السُّكَّرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَحْرَزَهُ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مَا أَحْرَزَهُ، وَنَظِيرُهُ رَجُلٌ وَضَعَ طَشْتًا عَلَى سَطْحٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَرَفَعَهُ إنْ كَانَ وَضَعَهُ صَاحِبُهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ لِذَلِكَ فَهُوَ لِلرَّافِعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهُ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ لِيَتَقَيَّأَ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَأْكُلُ أَلْوَانًا مِنْ الطَّعَامِ وَيُكْثِرُ، ثُمَّ يَتَقَيَّأُ وَيَنْفَعُ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَجِدُ الطَّبِيبُ فِي كِتَابِ اللَّهِ دَلِيلَ تَطَبُّبٍ؟ قَالَ: نَعَمْ قَدْ جَمَعَ اللَّهُ الطِّبَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: ٣١] يَعْنِي الْإِسْرَافَ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ هُوَ الَّذِي مِنْهُ الْأَمْرَاضُ وَقِيلَ كَانَ الرَّجُلُ قَلِيلَ الْأَكْلِ كَانَ أَصَحَّ جِسْمًا وَأَجْوَدَ حِفْظًا وَأَذْكَى فَهْمًا وَأَقَلَّ نَوْمًا وَأَخَفَّ نَفْسًا، ذَكَرَ مُحَمَّدٌ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ إفْسَادِ الطَّعَامِ قَالَ: وَمِنْ الْإِفْسَادِ الْإِسْرَافُ فِي الطَّعَامِ وَهُوَ أَنْوَاعٌ فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ الشِّبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَفِي الْيَنَابِيعِ، وَإِذَا أَكَلَ الرَّجُلُ فَوْقَ الشِّبَعِ فَهُوَ حَرَامٌ فِي كُلِّ مَأْكُولٍ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ اسْتَثْنَى حَالَةَ مَا إذَا كَانَ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الْأَكْلِ فَوْقَ الشِّبَعِ فَحِينَئِذٍ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنْ أَتَاهُ ضَيْفٌ بَعْدَمَا أَكَلَ قَدْرَ حَاجَتِهِ فَلْيَأْكُلْ لِأَجْلِهِ حَتَّى لَا يَخْجَلَ، أَوْ يُرِيدُ صَوْمَ الْغَدِ فَلْيَتَنَاوَلْ فَوْقَ الشِّبَعِ.

وَمِنْ الْإِسْرَافِ فِي الطَّعَامِ الْإِسْرَافُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالْأَلْوَانِ فَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَمَلَّ مِنْ نَاحِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَلْيَسْتَكْثِرْ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْ أَيِّ لَوْنٍ شَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ مِقْدَارُ مَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ قَصْدِهِ أَنْ يَدْعُوَ الْأَضْيَافَ قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ إلَى أَنْ يَأْتُوا إلَى آخِرِ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِكْثَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ أَنْ يَأْكُلَ وَسَطَ الْخُبْزِ وَيَدَعَ حَوَاشِيَهُ وَيَأْكُلَ مَا انْتَفَخَ مِنْ الْخُبْزِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ أَلَذُّ وَلَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ لَا يَأْكُلُ غَيْرُهُ مَا تَرَكَ مِنْ حَوَاشِيهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُهُ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَمَا لَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَاوَلَ رَغِيفًا دُونَ رَغِيفٍ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ التَّمَسُّحُ بِالْخُبْزِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَمِنْ الْإِسْرَافِ مَسْحِ السِّكِّينِ وَالْأُصْبُعِ بِالْخُبْزِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْكُلَ مَا يَتَمَسَّحُ فِيهِ فَأَمَّا إذَا أَكَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي التَّتِمَّةِ سُئِلَ عَمَّنْ مَسَحَ الْيَدَ عَلَى ثِيَابِهِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ وَسُئِلَ عَنْ مَسْحِ الْيَد بِدِسْتَارِ وَرَقٍ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ، وَفِي الْكَافِي وَلَا بَأْسَ بِخِرْقَةِ الْوُضُوءِ وَالْمُخَاطِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتُكْرَهُ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُحْمَلُ وَيُمْسَحُ بِهَا الْعَرَقُ إلَّا إذَا كَانَ شَيْئًا لَا قِيمَةَ لَهُ، وَكَذَا الْخِرْقَةُ الَّتِي يَمْخُطُ بِهَا وَكَذَا الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْوُضُوءَ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلتَّكَبُّرِ أَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ، وَمِنْ الْإِسْرَافِ إذَا سَقَطَ مِنْ يَدِهِ لُقْمَةٌ أَنْ يَتْرُكَهَا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِتِلْكَ اللُّقْمَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَظِرَ الْإِدَامَ إذَا حَضَرَ الْخُبْزُ وَيَأْخُذَ فِي الْأَكْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِدَامُ.

[غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ]

وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ فَإِنَّ فِيهِ بَرَكَةً، وَفِي الْبُرْهَانِيَّةِ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَغْسِلَ الْأَيْدِيَ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>