للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَدِيثِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ لِيَسْتَفِيدَ بِهِ فَهْمَ الْمَعَانِي وَالْفَصَاحَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ التَّغَنِّيَ لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ وَلَا يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ لِأَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي الشِّعْرِ حِكَمٌ، أَوْ قِصَّةٌ لَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ امْرَأَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَهِيَ مَيِّتَةٌ وَلَوْ كَانَتْ حَيَّةً يُكْرَهُ كَذَا فِي الشَّارِحِ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَيُكْرَهُ اللَّعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كُلُّ لَعِبٍ حَرَامٌ إلَّا مُلَاعَبَةَ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ وَقَوْسَهُ وَفَرَسَهُ» لِأَنَّهُ يَصُدُّ عَنْ الْجَمْعِ وَالْجَمَاعَاتِ وَسَبَبٌ لِلْوُقُوعِ فِي فَوَاحِشِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ وَاسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي حَرَامٌ كَالضَّرْبِ بِالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «: اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ» وَهَذَا خَرَجَ عَلَى وَجْهِ التَّشْدِيدِ لَا أَنَّهُ يَكْفُرُ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْعُرْسِ دُفٌّ يُضْرَبُ بِهِ لِيَشْتَهِرَ وَيُعْلَنَ النِّكَاحُ وَسُئِلَ أَبُو يُوسُفَ أَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَضْرِبَ فِي غَيْرِ فِسْقٍ لِلصَّبِيِّ قَالَ: لَا أَكْرَهُ، وَلَا تَرْكَبُ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ عَلَى السَّرْجِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَنَ اللَّهُ السُّرُوجَ عَلَى الْفُرُوجِ» هَذَا إذَا رَكِبَتْ مُتَلَهِّيَةً أَوْ مُتَزَيِّنَةً لِتَعْرِضَ نَفْسَهَا عَلَى الرِّجَالِ فَإِنْ رَكِبَتْ لِحَاجَةٍ كَالْجِهَادِ وَالْحَجِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

رَجُلٌ أَظْهَرَ الْفِسْقَ فِي دَارِهِ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَرَبَهُ أَسْوَاطًا، وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ مِنْ دَارِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ يَصْلُحُ لِلتَّعْزِيرِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: فِي دَارِهِ يَسْمَعُ مَزَامِيرَ وَمَعَازِفَ أَدْخُلُ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لَا أَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ إقَامَةِ هَذَا الْفَرْضِ، وَلَوْ رَأَى مُنْكَرًا وَهُوَ مِمَّنْ يَرْتَكِبُ هَذَا الْمُنْكَرَ لَهُ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ تَرْكُ الْمُنْكَرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَإِذَا تَرَكَ أَحَدَهُمَا لَا يَتْرُكُ الْآخَرَ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا: لَا بَأْسَ بِضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْأَعْيَادِ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ وَالْوَلِيمَةِ وَالْأَعْيَادِ حَيْثُ لَا فِسْقَ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَحْرَقَ بَيْتَ الْخَمَّارِ وَعَنْ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَخْرِيبِ دَارِ الْفِسْقِ بِسَبَبِ الْفِسْقِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَا بَأْسَ بِالْمُزَاحِ بَعْدَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ فِيهِ مَأْثَمٌ وَيَقْصِدَ بِهِ إضْحَاكَ جُلَسَائِهِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ وَكُلُّ لَعِبٍ غَيْرِ الشَّطْرَنْجِ فَهُوَ حَرَامٌ.

[رَأَى رَجُلًا سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ]

وَفِي الْحَاوِي سُئِلَ عَمَّنْ رَأَى رَجُلًا سَرَقَ مَالَ إنْسَانٍ قَالَ: إنْ كَانَ لَا يَخَافُ الظُّلْمَ مِنْهُ يُخْبِرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَخَافُ تَرَكَ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ بِالْيَدِ عَلَى الْآمِرِ، أَوْ بِاللِّسَانِ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَبِالْقَلْبِ عَلَى عَوَامِّ النَّاسِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّنْدَوِيسِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: رَجُلٌ دَعَاهُ الْأَمِيرُ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تَكَلَّمَ بِمَا يُوَافِقُ الْحَقَّ لَا يُرْضِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يُخَالِفُ الْحَقَّ وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يَخَافُ الْقَتْلَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا إتْلَافَ عُضْوِهِ وَلَا يَخَافُ عَلَى مَالِهِ، وَإِذَا خَافَ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ]

(فَصْلٌ فِي اللُّبْسِ) لَمَّا ذَكَرَ مُقَدِّمَاتِ مَسَائِلِ الْكَرَاهِيَةِ ذَكَرَ مَا يَتَوَارَدُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَقَدَّمَ فَصْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ لِأَنَّ احْتِيَاجَ الْإِنْسَانِ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ أَشَدُّ مِنْ احْتِيَاجِهِ إلَى النَّظَرِ لِتَحَقُّقِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ دُونَ الثَّانِي اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (حَرُمَ لِلرَّجُلِ لَا لِلْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ إلَّا قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) يَعْنِي يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لَا عَلَى الْمَرْأَةِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَاللَّامُ تَأْتِي بِمَعْنَى " عَلَى " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أَيْ فَعَلَيْهَا وَإِنَّمَا حَرُمَ لُبْسُ الْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُحِلَّ الذَّهَبُ وَالْحَرِيرُ لِلْإِنَاثِ مِنْ أُمَّتِي وَحُرِّمَ عَلَى ذُكُورِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» إلَّا أَنَّ الْيَسِيرَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهُوَ مِقْدَارُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ «نُهِيَ عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعٍ» الْحَدِيثَ.

[تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ أَيْ الْحَرِير]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (وَحَلَّ تَوَسُّدُهُ وَافْتِرَاشُهُ) يَعْنِي لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَذَكَرَهُ أَبُو اللَّيْثِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَأَنْ يُجْلَسَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ لَأَنْ أَتَّكِئَ عَلَى جَمْرِ الْغَضَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَّكِئَ عَلَى مَرَافِقِ الْحَرِيرِ وَلِلْإِمَامِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «جَلَسَ عَلَى مُرَقَّعَةٍ مِنْ حَرِيرٍ» وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْمَلْبُوسِ يُبَاحُ فَكَذَا الْقَلِيلُ هُنَا وَلِأَنَّ النَّوْمَ وَالِافْتِرَاشَ وَالتَّوَسُّدَ إهَانَةٌ وَلِأَنَّ الْمُحَرَّمَ اللُّبْسُ وَالِافْتِرَاشُ وَالنَّوْمُ عِلَّةُ الْجُلُوسِ، وَجَعْلُهُ سِتَارَةً وَتَعْلِيقُهُ وَجَعْلُهُ بَيْتًا لَيْسَ عُرْفًا فَلَا يَحْرُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>