للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَيْنَا، غَيْرَ أَنَّ الْخَاتَمَ وَمَا ذَكَرَ مُسْتَثْنًى تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّمُوذَجِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ «وَكَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمٌ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُمَرَ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ ثُمَّ فِي يَدِ عُثْمَانَ إلَى أَنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ فَأَنْفَقَ مَالًا عَظِيمًا فِي طَلَبِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ» وَوَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّشْوِيشُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى أَنْ اُسْتُشْهِدَ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ فَصَّ الْخَاتَمِ فِي بَاطِنِ كَفِّهِ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ أَنْ تَجْعَلَهُ فِي ظَاهِرِ كَفِّهَا؛ لِأَنَّهَا تُزَيَّنُ بِهِ دُونَ الرَّجُلِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَيْهِ كَالْقَاضِي وَالسُّلْطَانِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَأَى فِي يَدِ رَجُلٍ خَاتَمًا أَصْفَرَ فَقَالَ: مَا لِي أَجِدُ مِنْك رَائِحَةَ الْأَصْنَامِ وَرَأَى فِي يَدِ آخَرَ خَاتَمَ حَدِيدٍ فَقَالَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ» وَالتَّخَتُّمُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ أَطْلَقَ التَّخَتُّمَ بِحَجَرٍ يُقَالُ لَهُ يَشْبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَجَرٍ، إذْ لَيْسَ لَهُ ثِقْلُ الْحَجَرِ وَالْحَلْقَةُ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ قِوَامَ الْخَاتَمِ بِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْفَصِّ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْحَجَرِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَخَتَّمَ إذَا كَانَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ يَعْنِي فِي ثُقْبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ كَالْعَلَمِ فَلَا يُعَدُّ لَابِسًا وَلَا يَزِيدُ وَزْنُهُ عَلَى مِثْقَالٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تَزِدْهُ عَلَى مِثْقَالٍ» وَرَدَ النَّصُّ بِجَوَازِ التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «تَخَتَّمُوا بِالْعَقِيقِ» فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ الْحَدِيثَ وَفِي الْحَاوِي: وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَّخِذَ الرَّجُلُ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَإِنْ جَعَلَ فَصَّهُ مِنْ عَقِيقٍ أَوْ يَاقُوتٍ أَوْ فَيْرُوزَجَ أَوْ زُمُرُّدٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ نُقِشَ عَلَيْهِ اسْمُهُ أَوْ اسْمُ أَبِيهِ أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَشَ عَلَيْهِ تَمَاثِيلُ مِنْ طَيْرٍ أَوْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ مِنْ كَفِّهِ وَفِي خِنْصَرِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ وَلَا بَأْسَ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي الْفِضَّةِ وَفِي الْيَنَابِيعِ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَتَخَتَّمُ بِالْيَمِينِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِالشِّمَالِ» وَفِي الْفَتَاوَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِهِ الْيُسْرَى دُونَ سَائِرِ أَصَابِعِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُخَضِّبَ يَدَ الصَّغِيرِ أَوْ رِجْلَهُ.

[الْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ]

قَالَ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي تَرْكُ التَّخَتُّمِ وَحَرُمَ التَّخَتُّمُ بِالْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ وَالصُّفْرِ وَالذَّهَبِ وَحَلَّ مِسْمَارُ الذَّهَبِ يُجْعَلُ فِي حَجَرِ الْفَصِّ) وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَشَدُّ السِّنِّ بِالْفِضَّةِ) يَعْنِي يَحِلُّ شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكِ بِالْفِضَّةِ وَلَا يَحِلُّ بِالذَّهَبِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحِلُّ بِالذَّهَبِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكُرِهَ إلْبَاسُ ذَهَبٍ وَحَرِيرٍ صَبِيًّا) لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمَّا ثَبَتَ فِي حَقِّ الذُّكُورِ وَحَرُمَ اللُّبْسُ حَرُمَ الْإِلْبَاسُ كَالْخَمْرِ لَمَّا حَرُمَ شُرْبُهَا حَرُمَ سَقْيُهَا لِلصَّبِيِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (كَالْخِرْقَةِ لِوُضُوءٍ أَوْ مُخَاطٍ وَالرَّتْمِ) يَعْنِي لَا تُكْرَهُ الْخِرْقَةُ لِوُضُوءٍ وَلَا الرَّتْمُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُكْرَهُ حَمْلُ الْخِرْقَةِ الَّتِي يَمْسَحُ بِهَا الْعَرَقَ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَمَسَّحُونَ أَرْدِيَتَهُمْ وَفِيهَا نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الرَّتْمُ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اسْتَعْمَلُوا فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ مَنَادِيلَ لِلْوُضُوءِ وَالْخِرَقَ لِمَسْحِ الْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَلِحَمْلِ شَيْءٍ يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ حَتَّى لَوْ حَمَلَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُكْرَهُ وَالرَّتْمُ هُوَ الرَّتِيمَةُ وَهِيَ الْخَيْطُ لِلتَّذَكُّرِ لِيُعْقَدَ فِي الْأَصَابِعِ وَكَذَا الرَّتْمَةُ فَقِيلَ: الرَّتَمُ ضَرْبٌ مِنْ الشَّجَرِ وَقَالَ مَعْنَاهُ كَانَ الرَّجُلُ إذَا خَرَجَ إلَى سَفَرٍ عَمَدَ إلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَعَقَدَ بَعْضَ أَغْصَانِهَا بِبَعْضٍ فَإِذَا رَجَعَ، وَأَصَابَهُ بِتِلْكَ الْحَالَةِ قَالَ: لَمْ تَخُنْ امْرَأَتِي وَإِنْ أَصَابَهُ قَدْ انْحَلَّ قَالَ: خَانَتْنِي ثُمَّ الرَّتِيمَةُ قَدْ تُشَبَّهُ بِالتَّمِيمَةِ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ وَهُوَ خَيْطٌ كَانَ يُرْبَطُ فِي الْعُنُقِ أَوْ فِي الْيَدِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَذَكَرَ فِي حُدُودِ الْإِيمَانِ أَنَّهُ كُفْرٌ وَالرَّتِيمَةُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهَا تُرْبَطُ لِلتَّذْكِيرِ عِنْدَ النِّسْيَانِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ بِهَا وَتَعَلَّقَ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا يُكْرَهُ بِخِلَافِ التَّمِيمَةِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ فِيهَا إنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتُّوَلَةَ شِرْكٌ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلٌ فِي النَّظَرِ وَاللَّمْسِ]

وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى مَسَائِلِ اللُّبْسِ وَقَدَّمَهُ لِشِدَّةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَسَائِلَ النَّظَرِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلِذَا قَدَّمَهَا.

وَمَسَائِلُ النَّظَرِ أَقْسَامٌ أَرْبَعَةٌ: نَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ، وَنَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ.

وَالْقِسْمُ الْأَوَّلِ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، وَنَظَرِهِ إلَى زَوْجَتِهِ، وَأَمَتِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ، وَنَظَرِهِ إلَى أَمَةِ الْغَيْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ مَا رُوِيَ أَنَّ «أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>