للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْتَهِيَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «اُنْظُرْ إلَيْهَا لِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا» وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِوُجُودِ الْمُحَرَّمِ وَلِانْعِدَامِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهُ فِيهَا سَبِيلٌ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: أَصَابَ امْرَأَةً قُرْحَةٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ امْرَأَةٌ تُدَاوِيهَا وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً تُدَاوِيهَا يَسْتُرُ مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا مَوْضِعَ الْقُرْحَةِ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا أَمْكَنَ وَيُدَاوِيهَا وَفِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ تُوَلِّدُ أُخْرَى أَنْ تَنْظُرَ إلَى فَرْجِهَا وَأَنْ تَمَسَّ فَرْجَهَا اهـ.

وَقَيَّدُوا جَوَازَ النَّظَرِ دُونَ الْمَسِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسِّ بَدَنِهَا لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فَإِذَا كَانَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا يَحِلُّ لَهُ الْمُصَافَحَةُ وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى نَفْسِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْرِيضِ لِلْفِتْنَةِ، فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسِّ أَنْ يَكُونَا كَبِيرَيْنِ مَأْمُونَيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي أُخْرَى يَكْفِي أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَأْمُونًا كَبِيرًا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى لَا يَكُونُ اللَّمْسُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ كَالصَّغِيرِ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ الشَّابَّ إذَا كَانَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الْعَجُوزِ فَالْعَجُوزُ تَشْتَهِي الشَّابَّ لِأَنَّهَا عَلِمَتْ بِمَلَاذِّ الْجِمَاعِ فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى الِانْتِهَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْكَبِيرَ لَا يَشْتَهِي بِمَسِّ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا إذَا مَاتَ صَغِيرٌ أَوْ صَغِيرَةٌ تُغَسِّلُهُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ مَا لَمْ تَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، وَالْمَسُّ إذَا كَانَ لَا يُشْتَهَى.

[يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ إلَّا الْعَوْرَةَ) وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالرُّكْبَةُ مِنْهَا وَإِنَّمَا لَمْ يُنَبِّهْ الْمُؤَلِّفُ هُنَا لِمَا قَدَّمَ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ وَقَدْ بَيَّنَّا الدَّلِيلَ هُنَاكَ، وَحُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخْذِ وَفِي الْفَخْذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السُّرَّةِ حَتَّى يُنْكَرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ وَفِي الْفَخْذِ بِعُنْفٍ وَفِي السُّرَّةِ بِضَرْبٍ وَفِي التَّتِمَّةِ وَالْإِبَانَةِ: كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَرَى بَأْسًا بِنَظَرِ الْحَمَّامِيِّ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَفِي الْكَافِي وَعَظْمُ السَّاقِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَمَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ جَازَ مَسُّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَوَلَّى صَاحِبُ الْحَمَّامِ عَوْرَةَ إنْسَانٍ بِيَدِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ إذَا كَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ قَالَ الْفَقِيهُ: وَهَذِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ لَا فِي غَيْرِهَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ إنْسَانٍ أَنْ يَتَوَلَّى عَوْرَتَهُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ التَّنَوُّرِ وَفِي التَّتِمَّةِ: الْبَيْتُ الصَّغِيرُ فِي الْحَمَّامِ يَدْخُلُهُ الرَّجُلُ يَحْلِقُ عَانَتَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عُرْيَانًا حَتَّى يَعْصِرَ إزَارَهُ فَقَالَ: فِي الْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ يَجُوزُ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ: لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَأْثَمُ بِهِ وَقَالُوا: كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي بَيْتٍ بِغَيْرِ حَاجَةٍ فَقَالُوا يُكْرَهُ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ) وَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنْ التَّقْسِيمَاتِ وَمَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلُ لِلرَّجُلِ يَعْنِي: نَظَرُ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ إذَا أَمِنَتْ الشَّهْوَةَ وَالْفِتَنَ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي قَلْبِهَا شَهْوَةٌ أَوْ أَكْبَرُ رَأْيِهَا أَنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرَ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّهْوَةَ عَلَيْهِنَّ أَغْلَبُ وَهِيَ كَالْمُتَحَقَّقِ حُكْمًا فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مَوْجُودَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا اشْتَهَتْ لَمْ تُوجَدْ إلَّا مِنْهَا فَكَانَتْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَالْمَوْجُودُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوُقُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ مَا ذَكَرْنَا لِلْمُجَانَسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا كَمَا فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ وَكَذَا الضَّرُورَةُ قَدْ تَحَقَّقَتْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ إلَى مَحَارِمِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ نَظَرِهَا إلَى الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ الِانْكِشَافِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَازَ مَسُّهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُنَّ لَا يُمْنَعْنَ دُخُولَ الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْعُرْفَ ظَاهِرٌ بِهِ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَبِنَاءُ الْحَمَّامَاتِ لِلنِّسَاءِ وَحَاجَةُ النِّسَاءِ إلَى الْحَمَّامِ فَوْقَ حَاجَةِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ دُخُولِهِ الزِّينَةُ وَالْمَرْأَةُ إلَى هَذَا أَحْوَطُ مِنْ الرِّجَالِ وَيُمْكِنُ لِلرَّجُلِ دُخُولُ الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ وَالْمَرْأَةُ لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ غَالِبًا. اهـ.

وَحُكِيَ أَنَّ الْإِمَامَ دَخَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>