للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّهْرِ جَرَى الْمُلْقَى عَلَيْهِ طِينُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْضِعُ الْخِلَافِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحَرِيمُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا، وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَشْجَارٌ وَلَا يَدْرِي مَنْ غَرَسَهَا فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَكَذَا قَبْلَ إلْقَاءِ الطِّينِ عَلَى الْخِلَافِ.

وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ مَا لَمْ يَفْحُشْ ثُمَّ إذَا كَانَ الْحَرِيمُ لِأَحَدِهِمَا أَيَّهُمَا كَانَ لَا يَمْنَعُ الْآخَرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُبْطِلُ حَقَّ مَالِكِهِ كَالْمُرُورِ فِيهِ وَإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَلَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أُخِذَ بِقَوْلِهِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ حَرِيمُهُ قَدْرُ نِصْفِ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاوِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِقْدَارُ بَطْنِ النَّهْرِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ أَمَّا الْأَنْهَارُ الصِّغَارُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى كَرْيِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهَا حَرِيمٌ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.

[مَسَائِلُ الشِّرْبِ]

(مَسَائِلُ الشِّرْبِ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ مَسَائِلِ الشِّرْبِ؛ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَقَدَّمَ فَصْلَ الْمِيَاهِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْمَاءُ لَا يُقَالُ إذَا كَانَ الشِّرْبُ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إحْيَاءُ الْمَوَاتِ كَانَ اللَّائِقُ تَقْدِيمَ مَسَائِلِ الشِّرْبِ عَلَى مَسَائِلِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ قُلْنَا لِأَصَالَتِهِ وَكَثْرَةِ فُرُوعِهِ يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيمَ عَلَى الشِّرْبِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مَشْرُوعِيَّةِ حَقِّ الشِّرْبِ وَتَفْسِيرِهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَرُكْنِهِ وَشَرْطِهِ وَحُكْمِهِ:

أَمَّا مَشْرُوعِيَّتُهُ فَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا بَلَغَ الْوَادِي الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْأَعْلَى أَنْ يَحْبِسُوهُ عَنْ أَهْلِ الْأَسْفَلِ» ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ لُغَةً فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ النَّصِيبِ مِنْ الْمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: ٢٨] أَرَادَ بِالشِّرْبِ النَّصِيبَ مِنْ الْمَاءِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ} [الشعراء: ١٥٥] أَيْ نَصِيبٌ وَفِي الشَّرْعِ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ لِلْأَرَاضِيِ لَا لِغَيْرِهَا.

وَأَمَّا رُكْنُهُ فَهُوَ الْمَاءُ؛ لِأَنَّ الشِّرْبَ يَقُومُ بِهِ. وَأَمَّا شَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنْ الشِّرْبِ وَأَمَّا حُكْمُهُ فَالْإِرْوَاءُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لِأَجْلِهِ وَإِنَّمَا شِرْبُ الْأَرْضِ لِتُرْوَى اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هُوَ نَصِيبُ الْمَاءِ) قَالَ الشَّارِحُ: أَيْ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ هُوَ النَّصِيبُ وَالْمَاءُ وَالصَّوَابُ هُوَ النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ وَلَك أَنْ تَقُولَ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ وَهُوَ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ فِي الْمُتُونِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَدِجْلَةَ والْفُرَاتِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ وَلِكُلٍّ أَنْ يَسْتَقِيَ أَرْضَهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ وَيَشْرَبَ وَيَنْصِبَ الرَّحَا عَلَيْهِ وَيُكْرِيَ نَهْرًا مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَأِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا يَدٌ عَلَى الْخُصُوصِ؛ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعَ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا فِي الْمِلْكِ بِالْإِحْرَازِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا كَانَ مُشْتَرَكًا وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ فِي الْحَدِيثِ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ فَإِنَّ الْمُحْرَزَ قَدْ مَلَكَهُ فَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُبَاحًا كَالصَّيْدِ إذَا أَحْرَزَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَشُرِطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْعَامَّةِ فَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ لَيْسَ لَهُ الْكَرْيُ وَنَصْبُ الرَّحَا؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُبَاحِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالْعَامَّةِ كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْهَوَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالْكَلَأِ الْحَشِيشُ الَّذِي يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْبِتَهُ أَحَدٌ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْرَعَهُ وَيَسْقِيَهُ فَيَمْلِكُهُ مَنْ قَطَعَهُ، وَأَحْرَزَهُ وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالنَّارِ الِاسْتِضَاءَةُ بِنُورِهَا وَالِاصْطِلَاءُ بِهَا وَإِلَّا يُقَادُ مِنْ لَهَبِهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمْرَةً؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ فَكَانَ لَهُ مَنْعُهُ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْآبَارِ وَالْحِيَاضِ لِكُلٍّ شِرْبُهُ وَسَقْيُ دَوَابِّهِ لَا أَرْضِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبُقُورِ يُمْنَعُ) وَإِنَّمَا كَانَ لَهُ حَقُّ الشِّرْبِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْأَنْهَارَ وَالْآبَارَ وَالْحِيَاضَ لَمْ تُوضَعْ لِلْإِحْرَازِ وَالْمُبَاحُ لَا يُمْلَكُ إلَّا بِالْإِحْرَازِ وَلَكِنَّ الْمُسَافِرَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا يُوصِلُهُ إلَى مَقْصِدِهِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا يَمُرُّ عَلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ وَصَاحِبِهِ فَلَوْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ لَحِقَهُ ضَرَرٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ شَرْعًا بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرَاضِي حَيْثُ يُمْنَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِأَنَّ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّ صَاحِبِ الْأَنْهَارِ إذْ لَا نِهَايَةَ لِذَلِكَ فَتَذْهَبُ مَنْفَعَةُ صَاحِبِ الْأَنْهَارِ فَيَلْحَقُهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ بِخِلَافِ سَقْيِ الدَّوَابِّ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ حَتَّى لَوْ تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ يُمْنَعُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ لِكَثْرَةِ الْبُقُورِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا مَا ذَكَرْنَا لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِبْقَائِهِ عَلَى وَجْهٍ يَضُرُّ بِصَاحِبِهِ قَالَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>