للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّارِحُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ أَصْلًا، وَأَمَّا الصَّبِيُّ الَّذِي يَعْقِلُ فَأَذَانُهُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّ أَذَانَ الْبَالِغِ أَفْضَلُ، كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَفِي الْمَجْمَعِ وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَيُجْزِئُ وَأَطْلَقَهُ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ فِي وَظِيفَةِ الْأَذَانِ، وَأَمَّا الْإِسْلَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَرْطَ صِحَّةٍ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُ كَافِرٍ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ لَكِنْ هَلْ يَكُونُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا قَالَ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ بَابِ السِّيَرِ وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الذِّمِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ كَانَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ الْأَذَانُ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ، وَإِنْ قَالُوا سَمِعْنَاهُ يُؤَذِّنُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ حَتَّى يَقُولُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ، فَإِنْ قَالُوا ذَلِكَ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا هُوَ مُؤَذِّنٌ كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ فَيَكُونُ مُسْلِمًا. اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا إلَّا إذَا صَارَ عَادَةً لَهُ مَعَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْعِيسَوِيَّةِ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى أَبِي عِيسَى الْيَهُودِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْعَرَبِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِنَفْسِ الْأَذَانِ. وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ إذَا ارْتَدَّ الْمُؤَذِّنُ بَعْدَ الْأَذَانِ لَا يُعَادُ أَذَانُهُ وَلَوْ أُعِيدَ فَهُوَ أَفْضَلُ.

(قَوْلُهُ: لَا أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ) أَيْ لَا يَكْرَهُ أَذَانُ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ فَيَكُونُ مُلْزِمًا فَيَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرُهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ، وَأَمَّا ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَإِنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى كَانَ مَعَ الْأَعْمَى مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ يَكُونُ حِينَئِذٍ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، وَإِنَّمَا كُرِهَتْ إمَامَتُهُمْ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْفِرُونَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ أَوْ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَشْغُولٌ بِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِلْمِ كَالْأَعْرَابِيِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْأَذَانِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَى الْعِلْمِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْعَبْدَ إنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ سَيِّدِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ وَلَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِهِمْ.

(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ تَرْكُهُمَا لِلْمُسَافِرِ) أَيْ تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الِانْتِقَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا» وَإِذَا كَانَ هَذَا الْخِطَابُ لَهُمَا وَلَا حَاجَةَ لَهُمَا مُتَرَافِقِينَ إلَى اسْتِحْضَارِ أَحَدٍ عُلِمَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ أَيْضًا يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي خُصُوصِ الْمُنْفَرِدِ أَحَادِيثُ فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ «يَعْجَبُ رَبُّك مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ وَيُقِيمُ لِلصَّلَاةِ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ» وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كَانَ الرَّجُلُ بِأَرْضِ فَيْءٍ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَلْيَتَوَضَّأْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً فَلْيَتَيَمَّمْ، فَإِنْ أَقَامَ صَلَّى مَعَهُ مَلَكَاهُ وَإِنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ صَلَّى خَلْفَهُ مِنْ جُنُودِ اللَّهِ مَا لَا يُرَى طَرَفَاهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَبِهَذَا وَنَحْوِهِ عُرِفَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْإِعْلَامِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْ الْإِعْلَانِ بِهَذَا الذِّكْرِ نَشْرُ الذِّكْرِ لِلَّهِ وَدِينِهِ فِي أَرْضِهِ وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ الَّذِينَ لَا يُرَى شَخْصُهُمْ فِي الْفَلَوَاتِ مِنْ الْعِبَادِ قَيَّدَ بِتَرْكِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْأَذَانَ وَأَتَى بِالْإِقَامَةِ لَا يُكْرَهُ لِأَثَرِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ.

(قَوْلُهُ: لَا لِمُصَلٍّ فِي بَيْتِهِ فِي الْمِصْرِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِيمَ إذَا صَلَّى بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً فَقَدْ صَلَّى بِهِمَا حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ نَائِبٌ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِيهِمَا فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِمْ، وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ صَلَّى بِدُونِهِمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَمْ يُؤَذَّنْ فِيهِ أَصْلًا لِتِلْكَ الصَّلَاةِ، كَذَا فِي الْكَافِي وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُؤَذِّنُوا فِي الْحَيِّ

ــ

[منحة الخالق]

[أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ]

(قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَمَتَى كَانَ إلَخْ) إشَارَةٌ إلَى جَوَابٍ آخَرَ عَنْ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَسْمَعَ النَّاسَ يَقُولُونَ أَصْبَحْت أَصْبَحْت، وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَكَانَ مَعَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهِ أَوْقَاتَ الصَّلَاةِ وَمَتَى كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ تَأْذِينُهُ وَتَأْذِينُ الْبَصِيرِ سَوَاءً، كَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ. اهـ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَجِيرُ الْخَاصُّ كَذَلِكَ لَا يَحِلُّ أَذَانُهُ إلَّا بِإِذْنِ مُسْتَأْجِرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>