للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَهُ وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ الْإِمَامَ قَاضِي خان لَمْ يَجْعَلْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ عَدَمَ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَعَدَمَ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ حَيْثُ قَالَ: وَالسَّابِعُ - يَعْنِي الشَّرْطَ السَّابِعَ - أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ وَلَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ، فَيَكُونَ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ رُبَّمَا يَكُونُ مَوْتُ الصَّيْدِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ، وَالْإِصْمَاءُ مَا رَأَيْتَ وَالْإِنْمَاءُ مَا تَوَارَى عَنْك اهـ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ " وَالسَّابِعُ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ وَلَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ لَا يَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ التَّوَارِي عَنْ بَصَرِهِ وَالْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ مَعًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إذَا غَابَ عَنْ بَصَرِهِ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ كَلَامِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيُعْذَرُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ تَوَارِي الصَّيْدِ عَنْ بَصَرِ الرَّامِي فَكَانَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ التَّوَارِي مُطْلَقًا حَرَجٌ عَظِيمٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةَ أَنْ لَا يُعَرَّى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ قَرَارٍ يَكُونُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ.

وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ وَالْكَافِي «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ عَلَى حِمَارٍ وَحْشِيٍّ عَقِيرٍ فَتَبَادَرَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ فَسَيَأْتِي صَاحِبُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ هَذِهِ رَمْيَتِي، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا وَقَدْ جَعَلْتُهَا لَكَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الرِّفَاقِ» وَإِنْ وَجَدَ بِهِ جِرَاحَةً سِوَى جِرَاحَةِ سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا لَمْ تَجِدْ فِيهِ إلَّا أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ إنْ شِئْتَ وَإِنْ وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ إذَا وَجَدْتَ سَهْمَكَ وَلَمْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِهِ وَعَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ فَكُلْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْمِي فِي الصَّيْدِ فَأَجِدُ فِيهِ سَهْمِي مِنْ الْغَدِ قَالَ إذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ تَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَمَارَةُ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِلَا أَمَارَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَحُكْمُ إرْسَالِ الْكَلْبِ وَالْبَازِي فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحْكَامِ كَالرَّمْيِ.

[رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ عَلَى سَطْحٍ]

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَلَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءِ أَوْ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ تَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ حَرُمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَلِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ.

وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيٍّ إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَكُلْ وَإِذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَأَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ مَوْتَهُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُهْلِكَةٌ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَتَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُحْتَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ وَلَوْ رَمَى إلَى الصَّيْدِ فَأَمَالَ الرِّيحُ السَّهْمَ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ عَدَلَ عَنْ سُنَنِهِ وَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُؤْكَلْ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ قَدْ انْقَطَعَ بِالْعُدُولِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ حُكْمَ الرَّمْيِ لَا يُقْطَعُ بِالتَّغْيِيرِ عَنْ سُنَنِهِ، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ حَائِطًا أَوْ صَخْرَةً فَرَجَعَ لِلصَّيْدِ وَقَتَلَهُ لَمْ يُؤْكَلْ وَلَوْ حَدَّدَ عُودًا وَطَوَّلَهُ كَالسَّهْمِ وَرَمَى بِهِ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ وَخَرَقَ يُؤْكَلُ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ سَهْمًا فَأَصَابَ سَهْمًا مَوْضُوعًا فَرَفَعَهُ فَأَصَابَ صَيْدًا فَقَتَلَهُ بِخَرْقٍ وَجَرْحٍ يُؤْكَلُ لِأَنَّ الْمَرْفُوعَ إنَّمَا ارْتَفَعَ بِقُوَّةِ السَّهْمِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ نُفُوذُهُ بِوَاسِطَةِ الْأَوَّلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ آدَمِيًّا وَقَتَلَهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الرَّامِي وَلَوْ رَمَى بِمِعْرَاضٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ، وَأَصَابَ سَهْمًا وَرَفَعَهُ، وَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَقَتَلَهُ يَحِلُّ وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فَعَدَلَ بِهِ الرِّيحُ عَنْ سُنَنِهِ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ أَصَابَ حَائِطًا فَعَدَلَ عَنْ سُنَنِهِ ثُمَّ اسْتَقَامَ وَمَرَّ عَلَى سُنَنِهِ فَأَصَابَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَى سُنَنِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَنَّ الرِّيحَ أَمَالَتْهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا أَوْ أَمَامًا فَرَدَّتْهُ عَنْ سُنَنِهِ لَا إلَى وَرَائِهِ لَمْ يَكُنْ بِأَكْلِهِ بَأْسٌ وَإِذَا رَمَى مُسْلِمٌ صَيْدًا بِسَهْمٍ وَسَمَّى ثُمَّ رَمَى مَجُوسِيٌّ فَأَصَابَ سَهْمُهُ سَهْمَ الْمُسْلِمِ فَانْحَرَفَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً إلَّا أَنَّهُ فِي سُنَنِهِ ذَلِكَ، وَأَصَابَ الصَّيْدَ وَقَتَلَهُ فَالصَّيْدُ لِلْمُسْلِمِ وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْكُلَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>