للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ رَمَى حَلَالٌ سَهْمًا إلَى صَيْدٍ ثُمَّ رَمَى مُحْرِمٌ فَأَصَابَ سَهْمُ الْمُحْرِمِ سَهْمَ الْحَلَالِ وَزَادَ فِي قُوَّتِهِ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِرْسَالُ الْبَازِي كَإِرْسَالِ الْكَلْبِ وَلَوْ رَمَى رَجُلٌ صَيْدًا بِسَهْمٍ وَسَمَّى ثُمَّ إنَّ رَجُلًا آخَرَ رَمَى ذَلِكَ الصَّيْدَ بِسَهْمٍ فَسَمَّى فَأَصَابَ سَهْمُ الثَّانِي الْأَوَّلَ، وَأَمْضَاهُ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ وَجَرَحَهُ وَقَتَلَهُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ السَّهْمُ الْأَوَّلُ بِحَالٍ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ الصَّيْدَ بِدُونِ السَّهْمِ الثَّانِي إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ زَادَ فِي قُوَّتِهِ فَالصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا كَانَ لَا يُدْرَى بِأَنَّ الْأَوَّلَ هَلْ يَبْلُغُ الصَّيْدَ لَوْلَا الثَّانِي قَالَ مَشَايِخُنَا: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ لِلْأَوَّلِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُ هَذَا الصَّيْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ الرَّامِي الثَّانِي مَجُوسِيًّا فَأَصَابَ سَهْمُهُ سَهْمَ الْمُسْلِمِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ سَهْمَ الْمُسْلِمِ لَا يُصِيبُ الصَّيْدَ لَوْلَا سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ فَالصَّيْدُ لِلْمَجُوسِيِّ وَلَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ عُلِمَ أَنَّ سَهْمَ الْمُسْلِمِ يُصِيبُ الصَّيْدَ إلَّا أَنَّ سَهْمَ الْمَجُوسِيِّ زَادَ فِي قُوَّتِهِ فَالصَّيْدُ لِلْمُسْلِمِ وَيَحِلُّ تَنَاوُلُهُ قِيَاسًا وَلَا يَحِلُّ اسْتِحْسَانًا.

[قَوْمًا مِنْ الْمَجُوسِ رَمَوْا سِهَامَهُمْ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ نَحْوَ مُسْلِمٍ]

وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْمَجُوسِ رَمَوْا سِهَامَهُمْ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ نَحْوَ مُسْلِمٍ فَارًّا مِنْ سِهَامِهِمْ فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ وَسَمَّى فَأَصَابَهُ سَهْمُ الْمُسْلِمِ وَقَتَلَهُ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ سَهْمُ الْمَجُوسِيِّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى رَمَاهُ الْمُسْلِمُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُسْلِمُ وَيُذَكِّيَهُ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوهُ عَلَى الرَّمْيِ دُونَ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ وَلَمْ يُعْتَبَرُ بِالرَّمْيِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الذَّكَاةِ وَإِنْ وَقَعَتْ سِهَامُ الْمَجُوسِيِّ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَمَاهُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا حَلَّ أَكْلُهُ وَكَذَلِكَ الْمَجُوسِيُّ إنْ أَرْسَلُوا كِلَابَهُمْ إلَى صَيْدٍ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ هَارِبًا فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ أَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَيْهِ فَأَصَابَهُ الْكَلْبُ فَقَتَلَهُ إنْ كَانَ رَمْيُ الْمُسْلِمِ أَوْ إرْسَالُهُ الْكَلْبَ بَعْدَ رُجُوعِ كِلَابِ الْمَجُوسِيِّ يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ حَالَ اتِّبَاعِ كِلَابِهِمْ لَا يَحِلُّ وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ صَقْرًا لَهُ أَوْ بَازِيًا لَهُ فَهَوَى الصَّيْدُ إلَى الْأَرْضِ هَارِبًا فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ رَمْيُ الْمُسْلِمِ وَإِرْسَالُهُ حَالَ اتِّبَاعِ صَقْرِ الْمَجُوسِيِّ وَبَازِيهِ لَا يَحِلُّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرُّجُوعِ حَلَّ وَكَذَا لَوْ اتَّبَعَ الصَّيْدَ كَلْبٌ غَيْرُ مُعَلَّمٍ فَأَقْبَلَ الصَّيْدُ فَارًّا مِنْهُ فَرَمَاهُ الْمُسْلِمُ بِسَهْمِ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً حَلَّ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِئَلَّا يَنْسَدَّ بَابُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّ اعْتِبَارَهُ لَا يُؤَدِّي إلَى سَدِّ بَابِهِ وَإِلَى اعْتِبَارِهِ لَا يُؤَدِّي إلَى الْجَرْحِ فَأَمْكَنَ تَرْجِيحُ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ سَطْحٍ أَوْ آجُرَّةٍ مَوْضُوعَةٍ فَاسْتَقَرَّ وَلَمْ يَتَرَدَّ حَلَّ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَوُقُوعِهِ عَلَى الْأَرْضِ ابْتِدَاءً وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ عَلَى شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجُرَّةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ أَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ عَلَى رُمْحٍ مَنْصُوبٍ أَوْ قَصَبَةٍ قَائِمَةٍ أَوْ عَلَى حَرْفِ آجُرَّةٍ حَيْثُ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِتَرْدِيَتِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى: لَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْفَلَقَ رَأْسُهُ أَوْ انْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يُؤْكَلْ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ آخَرَ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا خِلَافُ إطْلَاقِ الْجَوَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَصْلِ فِيمَا عَدَا هَذَا الْمُفَسَّرَ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْمَوْتِ بِانْفِلَاقِ الرَّأْسِ وَانْشِقَاقِ الْبَطْنِ ظَاهِرٌ وَبِالرَّمْيِ مَوْهُومٌ فَيَتَرَدَّدُ فَالظَّاهِرُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمَوْهُومِ فَيَحْرُمُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْشَقَّ وَلَمْ يَنْفَلِقْ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالرَّمْيِ هُوَ الظَّاهِرُ فَلَا يَحْرُمُ وَلَا يُحْمَلُ إطْلَاقُ الْجَوَابِ فِي الْأَصْلِ عَلَيْهِ، وَحَمَلَ السَّرَخْسِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ كَذَلِكَ، وَحَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الصَّخْرَةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَحُمِلَ كَذَلِكَ، فَكِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ، وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى وَلَا يُبَالَى بِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّيْرُ الْمَرْمِيُّ مَائِيًّا فَإِنْ لَمْ تَنْغَمِسْ الْجِرَاحَةُ فِي الْمَاءِ أُكِلَ وَإِنْ انْغَمَسَتْ لَا تُؤْكَلُ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِهِ دُونَ الرَّمْيِ؛ لِأَنَّهُ يُشْرِبُ الْجُرْحَ الْمَاءَ فَيُسَبِّبُ زِيَادَةَ الْأَلَمِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَصَابَهُ السَّهْمُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَمَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ الْبُنْدُقَةُ حَرُمَ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ إبْرَاهِيمَ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي أَرْمِي الصَّيْدَ بِالْمِعْرَاضِ فَأُصِيبُ فَقَالَ: إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقْتَ فَكُلْهُ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَأَحْمَدُ. وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَى عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ: إنَّهَا لَا تَصِيدُ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>