للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلَانِ بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا رَجُلًا رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ جَائِزٌ وَالرَّهْنُ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ مِنْ غَيْرِ شُيُوعٍ فَصَارَ نَظِيرَ الْبَائِعِ وَهُمَا نَظِيرُ الْمُشْتَرِيَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ بَيِّنَةُ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا فِي يَدِهِ عَبْدٌ وَأَقَامَ رَجُلَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَهُ الْعَبْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَتْ بَيِّنَتُهُ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ رَهْنًا لِهَذَا وَكُلُّهُ رَهْنًا لِذَاكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِهِ لِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْقَضَاءِ بِالنِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الشُّيُوعِ فَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِالْبَيِّنَتَيْنِ فَتَهَاتَرَتَا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَدَّرَ كَأَنَّهُمَا ارْتَهَنَاهُ مَعًا اسْتِحْسَانًا لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْعَمَلِ بِخِلَافِ مَا اقْتَضَاهُ الْحُجَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ حِسًّا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى تَمَلُّكِ شَطْرٍ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا عَلَى وَفْقِ الْحُجَّةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى لِقُوَّةِ أَثَرِهِ الْمُسْتَتِرِ وَهُوَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَتِهِ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يَرْضَ بِمُزَاحَمَةِ الْآخَرِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجُمْلَتُهَا أَنَّ الْعَبْدَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمَا أَوَّلًا أَوْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلُ سَبْقٍ عِنْدَهُ كَمَا فِي الشِّرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي السَّبَقِ وَهُوَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ أَوَّلًا وَكَلَامُهُ فِيهِ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا، فَإِنْ عَلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ أَوْلَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ أَيْ الْقِيَاسِ نَأْخُذُ، وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ اهـ.

أَقُولُ: بِخِلَافِ مَا إذَا ارْتَهَنَا جُمْلَةُ الْعَقْدِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَاحِدٌ وَهُنَا أَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدًا آخَرَ وَالرَّهْنُ بِعَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ عَلَى مَا تَبَيَّنَّ مِنْ الْفَرْقِ، فَإِذَا وَقَعَ بَاطِلًا، فَإِذَا هَلَكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ لَا حُكْمَ لَهُ هَذَا إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا، فَإِذَا أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَهُ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ كَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ الْقَبْضِ دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِهِ كَدَعْوَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ عَيْنٍ مِنْ وَاحِدٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهَا مَزِيدُ بَيَانٍ مَعَ جَوَابِهِمَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَبَرْهَنَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ رَهْنًا بِحَقِّهِ) ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْقِيَاسِ هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ الْحَبْسُ لِلِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ لِعَقْدِ الرَّهْنِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمًا بِعَقْدِ الرَّهْنِ إذْ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ عِلَّتِهِ وَأَنَّهُ بَاطِلٌ بِالشُّيُوعِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَالْحَبْسُ فِي الشَّائِعِ لَا يَقْبَلُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ مِنْ ثَمَنِهِ وَالشَّائِعُ يَقْبَلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى رَجُلَانِ نِكَاحَ امْرَأَةٍ وَادَّعَتْ أُخْتَانِ أَوْ خَمْسُ نِسْوَةٍ النِّكَاحَ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ يَتَهَاتَرَتَانِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَقَبِلْنَاهَا بَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِأَنَّا حَكَمْنَا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ بِثُبُوتِ مَالِك الْمَالِ وَهُوَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ وَالِانْقِسَامَ. وَقَوْلُهُ وَالْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَعَ اتِّفَاقًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فِي أَيْدِيهِمَا وَأَثْبَتَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ الرَّهْنَ وَالْقَبْضَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْيَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَلَوْ تَرَكَهُ هُنَا لَكَانَ أَوْلَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابٌ الرَّهْنُ يُوضَعُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ]

لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْأَحْكَامِ الرَّاجِعَةِ إلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحْكَامَ الرَّاجِعَةَ إلَى مَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْعَدْلُ لِمَا أَنَّ حُكْمَ النَّائِبِ أَبَدًا يَقْفُو حُكْمَ الْأَصِيلِ، ثُمَّ إنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ هُنَا مَنْ رَضِيَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِوَضْعِ الرَّهْنِ فِي يَدِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ قَيْدًا آخَرَ حَيْثُ قَالَا وَرَضِيَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ أَقُولُ: لَعَلَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا هُوَ الْغَالِبُ وَإِلَّا فَرِضَاهُمَا بِبَيْعِهِ الرَّهْنَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ فِي مَعْنَى الْعَدْلِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُ الرَّهْنِ مَا لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْثُورٌ بِالْحِفْظِ فَقَطْ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَضَعَا الرَّهْنَ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ صَحَّ) ، وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ الْعَدْلَ الَّذِي يَصِحُّ وَضْعُ الرَّهْنِ عَلَى يَدِهِ وَاَلَّذِي لَا يَصِحُّ قَالَ فِي الْغِيَاثِيَّةِ لَوْ شَرَطَ الْمَأْذُونُ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ عِنْدَهُ مَوْلَاهُ لَمْ يَجُزْ مَدْيُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَدْيُونٍ، وَلَوْ شَرَطَ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ عِنْدَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ أَوْ الْمُكَاتَبِ جَازَ، وَلَوْ شَرَطَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ الْعِنَانِ أَوْ الْمُضَارِبِ أَوْ رَبِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>