للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَلِيُّ لِلْمُقِرِّ بِالْعَمْدِ أَنْت قَتَلْته وَحْدَك عَمْدًا، فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ، وَإِنْ ادَّعَى الْوَلِيُّ الْخَطَأَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ.

رَجُلٌ قُطِعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وَمَاتَ مِنْهُمَا فَقَالَ رَجُلٌ قَطَعْت يَدَهُ عَمْدًا وَفُلَانٌ قَطَعَ رِجْلَهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْوَلِيُّ: لَا بَلْ أَنْت قَطَعْت ذَلِكَ كُلَّهُ عَمْدًا، فَإِنَّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْمُقِرَّ، وَإِنْ أَزَالَ الْوَلِيُّ الْجَهَالَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ زُفَرُ إذَا بَيَّنَ صَحَّ بَيَانُهُ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ قَالَ مَشَايِخُنَا، وَهَذَا إذَا بَيَّنَ الْوَلِيُّ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الْقَاضِي بِبُطْلَانِ حَقِّهِ فِي الْقِصَاصِ قَبْلَ الْمُقِرِّ حَيْثُ قَالَ لَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَأَمَّا إذَا قَضَى بِذَلِكَ ثُمَّ بَيَّنَ لَا يَصِحُّ بَيَانُهُ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ وَفِي نَوَادِرِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَجُلٌ قَالَ لِرَجُلٍ أَنَا قَتَلْت وَلِيَّك عَمْدًا فَصَدَّقَهُ وَقَتَلَهُ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ أَنَا الَّذِي قَتَلْته وَحْدِي وَصَدَّقَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةُ الَّذِي قَتَلَهُ وَلَهُ عَلَى الْآخَرِ الدِّيَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الزِّيَادَاتِ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا وَلِيَّهُ عَمْدًا بِالسَّيْفِ وَقَضَى لَهُ عَلَيْهِمَا بِالْقِصَاصِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ وَأَقَامَ آخَرُ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ عَمْدًا كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقْتُلَ الْمُقِرَّ مَكَانَ الْعَمْدِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَبَطَلَتْ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَتْلِ الْعَمْدِ قَتْلُ الْخَطَأِ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ الدِّيَةِ وَعَلَى الْمُقِرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْكُلِّ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَتَلَ مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ وَادَّعَى وَلِيُّهُ أَنَّ فُلَانًا قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَمْدًا وَفُلَانٌ قَطَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهُمَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَنَا قَطَعْت يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَلَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى إلَّا أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيُمْنَى قُطِعَتْ عَمْدًا وَمَاتَ مِنْ الْقَطْعِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَطَعْت الْيَدَ الْيُسْرَى وَمَاتَ مِنْهَا خَاصَّةً لَا شَيْءَ عَلَى الْمُقِرِّ.

وَلَوْ قَالَ الْوَلِيُّ: قَطَعَ فُلَانٌ يَدَهُ الْيُسْرَى عَمْدًا وَلَا أَدْرِي مَنْ قَطَعَ الْيُمْنَى إلَّا إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ الْيُمْنَى قُطِعَتْ عَمْدًا فَمَاتَ مِنْهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ مِنْ الدِّيَةِ وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ شَجَّ وَلِيَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهَا وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا بِالْمُوضِحَةِ وَبِالْمَوْتِ مِنْهَا كَمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ بِالْمُوضِحَةِ وَالْبُرْءِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْمُوضِحَةِ وَقَضَى بِالْقِصَاصِ فِي الْمُوضِحَةِ.

فَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا مَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَنْبَغِي أَنْ لَا تُقْبَلَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ وَلَا يُقْضَى بِشَيْءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَلْ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ، وَلَوْ ادَّعَى الْمُوضِحَةَ وَالْبُرْءَ مِنْهَا وَشَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْمُوضِحَةِ وَالْبُرْءِ وَالْآخَرُ بِالسِّرَايَةِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنْهَا، وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا كَمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّجَّةِ وَقَضَى بِأَرْشِهَا فِي مَالِ الْجَانِي وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ عِنْدَ رَجُلٍ فَادَّعَى مَوْلَاهُ أَنَّ الشَّاجَّ شَجَّهُ مُوضِحَةً عَمْدًا وَمَاتَ مِنْهَا وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ الْقَوَدَ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا كَمَا ادَّعَى الْمُدَّعِي وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْهَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِأَرْشِ الشَّجَّةِ فِي مَالِ الْجَانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابٌ فِي بَيَانِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ]

لَمَّا كَانَتْ الْأَحْوَالُ صِفَاتٌ لِذَوَاتِهَا ذَكَرَهَا بَعْدَ الْقَتْلِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (الْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الرَّمْيِ) فِي حَقِّ الْحِلِّ وَالضَّمَانِ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِرِدَّةِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ قَبْلَ الْوُصُولِ) يَعْنِي لَوْ رَمَى رَجُلٌ رَجُلًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْمَرْمِيُّ إلَيْهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إلَيْهِ ثُمَّ وَقَعَ بِهِ السَّهْمُ تَجِبُ عَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ لَا عِصْمَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ بِارْتِدَادِهِ أَسْقَطَ تُقَوَّمَ نَفْسِهِ فَصَارَ مُبَرِّئًا لِلرَّامِي عَنْ مُوجَبِهِ كَمَا لَوْ أَبْرَأهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ دُونَ الْإِصَابَةِ وَلَا فِعْلَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَهُ فَيَصِيرُ قَاتِلًا بِالرَّمْيِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجَرَحَهُ وَمَاتَ بِالْجُرْحِ حَلَّ أَكْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَفَرَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ جَازَ تَكْفِيرُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّهُ سَقَطَ بِالشُّبْهَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُمَا إنَّهُ بِالِارْتِدَادِ صَارَ مُبَرِّئًا لَهُ عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ اعْتِقَادَ الْمُرْتَدِّ أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُبْطِلُ التَّقَوُّمَ فَكَيْفَ يَصِيرُ مُبَرِّئًا عَنْ ضَمَانِ الْجِنَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ والتمرتاشي وَالْمَحْبُوبِيِّ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَا بِإِسْلَامِهِ) أَيْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِإِسْلَامِ الْمَرْمِيِّ إلَيْهِ بِأَنْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>