للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ النَّصِّ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَجُوزُ الرَّضِيعُ لَوْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعٌ لَهُ.

وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْحِيلَةُ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ اكْتَفَى هَذَا بِالظَّاهِرِ فِي سَلَامَةِ أَطْرَافِهِ حَتَّى جَازَ التَّكْفِيرُ وَلَمْ يَكْتَفِ بِالظَّاهِرِ فِي حَدِّ وُجُوبِ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ أَطْرَافِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَاجَةُ فِي التَّكْفِيرِ إلَى دَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لِلدَّافِعِ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى دَفْعِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يُظْهِرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ الْإِتْلَافُ فَافْتَرَقَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الثُّلُثُ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ لَا يَتَنَصَّفُ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ السُّنَّةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رَوَاهُ أَنَّ كِبَارَ الصَّحَابَةِ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَا خَالَفُوهُ.

وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةُ زَيْدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ إلَّا عَنْهُ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى الْمُحَالِ وَهُوَ أَمَّا إذَا كَانَ أَلَمُهَا أَشَدَّ وَمُصَابُهَا أَكْبَرَ أَنْ يَقِلَّ أَرْشُهَا بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ قُطِعَ إصْبَعٌ مِنْهَا يَجِبُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَإِذَا قُطِعَ إصْبَعَانِ يَجِبُ عِشْرُونَ، وَإِذَا قُطِعَ ثَلَاثَةٌ يَجِبُ ثَلَاثُونَ لِأَنَّهَا تُسَاوِي الرَّجُلَ فِيهِ عَلَى زَعْمِهِ لِكَوْنِهِ مَا دُونَ الثُّلُثِ وَلَوْ قُطِعَ أَرْبَعَةٌ يَجِبُ عِشْرُونَ لِلتَّنْصِيفِ فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَقَطْعُ الرَّابِعَةِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا بَلْ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ بِقَطْعِ الثَّالِثَةِ، وَحِكْمَةُ الشَّارِعِ تُنَافِي ذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ لَا تُوجِبُ شَيْئًا شَرْعًا وَأَقْبَحُ مِنْهُ أَنْ تَسْقُطَ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهَا وَهَذَا مِمَّا تُحِيلُهُ الْعُقَلَاءُ بِالْبَدِيهَةِ وَلِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يَعْتَبِرُ الْأَطْرَافَ بِالْأَنْفُسِ وَتَرْكُهُ هُنَا حَيْثُ نَصَّفَ دِيَةَ النَّفْسِ وَلَمْ يُنَصِّفْ دِيَةَ الْأَطْرَافِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَدِيَةُ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي مُسْتَأْمَنٍ قَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ» وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «وَدِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ» وَعَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَا يَجْعَلَانِ دِيَةَ الذِّمِّيِّ مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَفِي ظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] دَلَالَةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ظَاهِرُ مَا هُوَ الْمُرَادُ مَنْ قَوْله تَعَالَى فِي قَتْلِ الْمُؤْمِنِ {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مُتَقَوِّمُونَ لِإِحْرَازِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِالدَّارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا مُلْحَقِينَ بِالْمُسْلِمِينَ إذْ يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ مَا يَجِبُ بِقَتْلِهِمْ أَنْ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

أَلَا تَرَى أَنَّ أَمْوَالَهُمْ لَمَّا كَانَتْ مَعْصُومَةً مُتَقَوِّمَةً يَجِبُ بِإِتْلَافِهَا مَا يَجِبُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمُسْلِمِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي أَمْوَالِهِمْ فَمَا ظَنُّك فِي أَنْفُسِهِمْ وَلَا يُقَالُ إنَّ نَقْصَ الْكُفْرِ فَوْقَ نَقْصِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ فَوَجَبَ أَنْ تُنْتَقَصَ دِيَتُهُ بِهِ كَمَا تُنْتَقَصُ بِالْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ وَلِأَنَّ الرِّقَّ أَثَرُ الْكُفْرِ، فَإِذَا انْتَقَصَ بِأَثَرِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَنْتَقِصَ بِهِ لِأَنَّا نَقُولُ نُقْصَانُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ لَا بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ الْأُنُوثَةِ وَالرِّقِّ بَلْ بِاعْتِبَارِ نُقْصَانِ صِفَةِ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ النِّكَاحَ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْحُرُّ الذَّكَرُ يَمْلِكُهُمَا وَلِهَذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا وَالْكَافِرُ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُهُ كَبَدَلِهِ وَالْمُسْتَأْمِنُ دِيَتُهُ مِثْلُ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا.

[فَصْلٌ فِي بَيَانِ مَا يُلْحَقُ بِدِيَةِ النَّفْسِ]

(فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ دِيَةِ النَّفْسِ شَرَعَ يَذْكُرُ مَا يُلْحَقُ بِهَا فِيهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فِي النَّفْسِ وَالْمَارِنِ) يَعْنِي تَجِبُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ وَفِي الْمَارِنِ الدِّيَةُ وَالْمَارِنُ مَا لَانَ مِنْ الْأَنْفِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي الْأَصْلِ وَإِذَا قُطِعَ أَنْفَ رَجُلٍ وَذَهَبَ شَمُّهُ تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ حُكُومَةُ الْعَدْلِ وَفِي الْكَافِي وَلَوْ قُطِعَ الْمَارِنُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يُزَادُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الشَّمِّ أَنْ يُوضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَإِنْ نَفَرَ عَنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ شَمُّهُ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا جَنَى عَلَيْهِ فَصَارَ لَا يَسْتَنْثِرُ مِنْ أَنْفِهِ وَلَكِنْ يَسْتَنْثِرُ مِنْ فَمِهِ فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ.

وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قُطِعَ الْمَارِنُ ثُمَّ الْأَنْفُ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْبُرْءِ تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْبُرْءِ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْمَارِنِ وَحُكُومَةُ الْعَدْلِ فِي الْبَاقِي وَفِي جِنَايَاتِ الْحَسَنِ إذَا كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَصْفَرَ كَانَ الْمَقْطُوعُ أَنْفَهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ أَرْشَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَنْفِ الْقَاطِعِ نُقْصَانٌ مِنْ شَيْءٍ أَصَابَهُ أَوْ كَانَ أَخْشَمَ لَا يَجِدُ الرِّيحَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَفِي الْحَاوِي أَخْشَمُ يَعْنِي أَصْغَرَ أَوْ أَخْرَقَ فَالْمَقْطُوعُ أَنْفُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَنْفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>