للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ صَارَ مُسَبِّبًا لِلتَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ نَهْرًا خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْمُرُورَ عَلَيْهَا وَفِي الْكَافِي بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ مَرَّ لَيْلًا فَهُوَ ضَامِنٌ وَصَارَ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِ إنْسَانٍ فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَمَّا إذَا كَانَ نَهْرًا عَامًّا لِجَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا لَوْ نَصَبَ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً عَلَى نَهْرٍ خَاصٍّ لِأَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ هَكَذَا ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ بِشْرٍ إلَّا إذَا كَانَ النَّهْرُ عَامًّا لِجَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْقَنْطَرَةِ وَالْجِسْرِ سَوَاءٌ، عَلِمَ الْمَاشِي عَلَيْهِ فَانْخَرَقَ بِهِ فَمَاتَ إنْ تَعَمَّدَ الْمُرُورَ عَلَيْهَا لَا ضَمَانَ عَلَى وَاضِعِ الْقَنْطَرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَارُّ بِهِ ضَمِنَ كَمَنْ نَصَبَ خَشَبَةً فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ بِهِ كَانَ ضَامِنًا قَالُوا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا لَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْخَشَبَةِ بِمَنْزِلَةِ تَعَمُّدِ الزَّلَقِ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ كَبِيرَةً يُوطَأُ عَلَى مِثْلِهَا يَضْمَنُ وَاضِعُهَا هَذَا إذَا كَانَ النَّهْرُ خَاصًّا لِأَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ ضَامِنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ لَوْ ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَيَخْتَصُّ أَهْلُهُ بِتَدْبِيرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ مَفَاتِيحَ الْكَعْبَةِ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] .

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ) (جَلَسَ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ آخَرُ) (ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمَا أَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: ٣٦] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] ، فَإِذَا بُنِيَتْ لَهَا لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا بِاسْتِنْظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ فِيهِ مِنْ ضَرُورَتِهَا فَيُبَاحُ لَهُ وَلِأَنَّ الْمُنْتَظِرَ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا» وَتَعْلِيمُ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ كَالذِّكْرِ وَلَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْعِبَادَةِ تَبَعٌ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا ضَاقَ عَلَى الْمُصَلِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَ الْقَاعِدَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْقَاعِدُ مُشْتَغِلًا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالتَّدْرِيسِ أَوْ مُعْتَكِفًا، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُزْعِجَ الْمُصَلِّيَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ لِمَا أَنَّهُ بُنِيَ لَهَا وَاسْمُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ اسْمٌ لِمَوْضِعِ السُّجُودِ وَفِي الْعَادَةِ أَيْضًا لَا يُعْرَفُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ إلَّا لِلصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَكَانَ الْكَوْنُ فِيهِ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ مُبَاحًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَظْهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْأَصْلِ وَبَيْنَ التَّبَعِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ قُرْبَةً مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَقَفَ فِي الطَّرِيقِ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ وَمَعَ هَذَا مُقَيَّدٌ بِالسَّلَامَةِ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَةِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِشَيْءٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِمَا يُفْتَى وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجَالِسَ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَضْمَنُ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ]

(فَصْلٌ) فِي الْحَائِطِ الْمَائِلِ لَمَا ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحْكَامَ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الَّذِي يَتَعَلَّق بِالْجَمَادِ وَهُوَ الْحَائِطُ الْمَائِلُ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ مَسَائِلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ تَقْدِيمًا لِلْحَيَوَانِ عَلَى الْجَمَادِ إلَّا أَنَّ الْحَائِطَ الْمَائِلَ لَمَّا نَاسَبَ الْجُرْصُنَ وَالرَّوْشَنَ وَالْجَنَاحَ وَالْكَنِيفَ وَغَيْرَهَا أَلْحَقَ مَسَائِلَهُ بِهَا وَلِهَذَا عَبَّرَ بِلَفْظِ الْفَصْلِ لَا بِلَفْظِ الْبَابِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (حَائِطٌ مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ ضَمِنَ رَبُّهُ مَا تَلِفَ بِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ إنْ طَالَبَ بِنَقْضِهِ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ وَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يَقْدِرُ عَلَى نَقْضِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ فِعْلٌ وَلَا مُبَاشَرَةُ عِلَّةٍ وَلَا مُبَاشَرَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>