للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا يُؤْكَلُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَأْكُولِ مِنْ اللَّحْمِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَالْجَمَالِ وَالْعَمَلُ مَوْجُودٌ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَيُلْحَقُ بِهِ. اهـ.

وَلِأَنَّ فِيهَا مَقَاصِدَ سِوَى اللَّحْمِ كَالرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ وَاللَّحْمِ وَالْعَمَلِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ الْآدَمِيَّ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِغَيْرِهِ كَالْأَكْلِ وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُشْبِهُ الْمَأْكُولَاتِ فَعَلِمْنَا بِالشَّبَهَيْنِ بِشَبَهِ الْآدَمِيِّ فِي إيجَابِ الرُّبْعِ وَبِالشَّبَهِ الْآخَرِ فِي نَفْيِ النِّصْفِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْعَمَلِ فِيهَا بِأَرْبَعَةِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْفَاعِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا، وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهَا فَصَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ؛ لِأَنَّ الْمَعْمُولَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ وَرَدَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ وَفِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ بَدَنَةً لِيَشْمَلَ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا وَاحِدٌ وَهُوَ رُبْعُ الْقِيمَةِ وَفِي الْعَيْنِيِّ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِي فَقْءِ عَيْنِ بَدَنَةِ الْجَزَّارِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ مَا اُتُّخِذَ لِلنَّحْرِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَذَا فِي الطَّحَاوِيِّ وَالْجَزْرُ الْقَطْعُ وَجَزْرُ الْجَزُورِ نَحْرُهَا وَالْجَزَّارُ هُوَ الَّذِي يَنْحَرُ الْبَقَرَةَ. اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[بَابُ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ]

لَمَّا فَرَغَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ بَيَانِ حُكْمِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَذَا فِي الشُّرُوحِ أَقُولُ: فِيهِ شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ مُطْلَقًا بَقِيَ مِنْهُ بَيَانُ حُكْمِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقُ الْمِلْكِ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْمَمْلُوكِ عَنْ الْمَالِكِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ لَا يُقَالُ الْعَبْدُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مَنْزِلَةً مِنْ الْبَهِيمَةِ فَكَيْفَ أَخَّرَ بَابَ جِنَايَتِهِ عَنْ بَابِ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ لِأَنَّ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ وَهُمْ مُلَّاكٌ. اهـ.

أَقُولُ: فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ إذْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنْ أَرَادَ جِنَايَةَ الْبَهِيمَةِ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ جِنَايَتَهَا بِطَرِيقِ النَّفْحَةِ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا وَهِيَ تَسِيرُ لَا يَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِلَّا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ الضَّمَانُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُرِفَ فِي بَابِهَا وَكَذَا الْحَالُ فِيمَا إذَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَقَأَ عَيْنَ إنْسَانٍ أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبَهُ وَكَذَا إذَا انْفَلَتَتْ فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ آدَمِيًّا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا كَمَا عُرِفَ كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا فِي بَابِهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ جِنَايَتَهَا قَدْ تَكُونُ بِاعْتِبَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ بِهِ تَمَامُ التَّعَرُّفِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الصُّوَرُ الَّتِي لَا يَجِبُ فِيهَا مِنْ فِعْلِ الْبَهِيمَةِ ضَمَانٌ عَلَى أَحَدٍ بَلْ يَكُونُ فِعْلُهَا هَدَرًا مِمَّا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنَايَةِ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ فِي بَابِهَا اسْتِطْرَادًا وَبِنَاءُ الْكَلَامِ هُنَا عَلَى مَا لَهُ حُكْمٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَيَتِمُّ التَّعْرِيفُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا أَوْ مَحَلًّا لَهَا وَإِلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ) أَيْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ إذَا كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومِيَّةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعَ رَقَبَتِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ مُوجِبَةً لِلْمَالِ وَإِلَّا فَقِيمَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ انْعَقَدَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا يُوجِبُ جِنَايَتَهُ قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا.

وَإِنْ تَكَرَّرَتْ الْجِنَايَةُ وَفِي الْقِنِّ إذَا جَنَى بَعْدَ الْفِدَاءِ تُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ وَأُخْتَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ وَالْكَلَامُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ وَالثَّانِي فِي سِعَايَتِهِ وَالثَّالِثُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَالرَّابِعُ فِي جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَدِيَةِ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ نَفْسًا وَمَا دُونَهَا عَلَى مَوْلَاهُ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِثْلَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ غَرِمَ مِثْلَ الدِّيَةِ إلَّا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ يَوْمَ جَنَى وَقِيمَةُ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ إذَا جَنَى جِنَايَاتٍ أَوْ جِنَايَةً وَاحِدَةً لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبَّرُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِلَا فَصْلٍ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْ الْمَوْلَى شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَوْ قَتَلَ مُدَبَّرٌ رَجُلًا خَطَأً وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَالْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِلثَّانِي وَتَحَاصَّا فِي الْقِيمَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَلَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِلْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ غَرِمَ لِلثَّانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَاتَّبَعَ الْأَوَّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>