للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّا نَنْتَظِرُ إلَى دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمَا وَصَلَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ مِنْهَا يَضْرِبُ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ إلَى آخِرِهِ.

قَالَ فِي الْمُحِيطِ مُدَبَّرٌ قَتَلَ رَجُلًا وَقِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثُمَّ صَارَتْ قِيمَتُهُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ آخَرَ خَطَأً فَالْأَلْفُ دِرْهَمٍ لِلثَّانِي وَتَحَاصَّا فِي الْأَلْفِ الْأُولَى فِي الْمُرْتَهِنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (فَإِنْ دَفَعَ الْقِيمَةَ بِقَضَاءٍ فَجَنَى أُخْرَى شَارَكَ الثَّانِي الْأَوَّلَ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِقَضَاءِ الْقَاضِي ثُمَّ جَنَى جِنَايَةً أُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّ جِنَايَاتِهِ كُلَّهَا لَا تُوجِبُ إلَّا قِيمَةً وَاحِدَةً وَلَا تَعَدِّي مِنْ الْمَوْلَى بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ بِالْقَضَاءِ فَيُتْبَعُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فَيُشَارِكُهُ فِيهَا وَيَقْتَسِمَاهَا عَلَى قَدْرِ حَقِّهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ بِغَيْرِ قَضَاءٍ اتَّبَعَ السَّيِّدَ أَوْ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ) أَيْ لَوْ دَفَعَ الْمَوْلَى الْقِيمَةَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِغَيْرِ قَضَاءٍ كَانَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ الثَّانِيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُ فَعَلَ عَيْنَ مَا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي وَلَا تَعَدِّيَ مِنْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ حِينَ دَفَعَ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ مَوْجُودَةً وَلَا عِلْمَ لَهُ بِمَا يَحْدُثُ حَتَّى يُجْعَلَ مُتَعَدِّيًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ جِنَايَاتِ الْمُدَبَّرِ تُوجِبُ قِيمَةً وَاحِدَةً وَهُمْ شُرَكَاءُ فِيهَا وَالْجِنَايَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ كَالْمُقَارَنَةِ حُكْمًا وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِيهَا كُلُّهُمْ جَمِيعًا.

ثُمَّ إذَا دَفَعَهَا إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ صَارَ مُتَعَدِّيًا فِي حَقِّ الثَّانِي لِأَنَّ حِصَّتَهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ دَفَعَ الْمَوْلَى فِي حَقِّ الثَّانِي فَالثَّانِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَبِعَ الْأَوَّل لِأَنَّهُ قَبَضَ حَقَّهُ ظُلْمًا فَصَارَ بِهِ ضَامِنًا فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ دَفَعَ حَقَّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِذَا أُخِذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي وَهُوَ حِصَّتُهُ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مُقَارِنَةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُشَارِكَهُ وَمُتَأَخِّرَةٌ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُعْتَبَرُ مُقَارِنَةً فِي حَقِّ التَّضْمِينِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْطُلَ حَقُّ وَلِيِّ الثَّانِيَةِ وَإِذَا أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَسَوَاءٌ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَوْلَى لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ مُفَوِّتًا بِالْإِعْتَاقِ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْمُدَبَّرِ وَإِذَا أَقَرَّ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْمَالَ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى نَفْسِهِ وَإِقْرَارُهُ عَلَى الْمَوْلَى غَيْرُ نَافِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقَوَدِ بِأَنْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَمْدًا حَيْثُ يَصِحُّ إقْرَارُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْفُذُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ.

[بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ]

(بَابُ غَصْبِ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالصَّبِيِّ وَالْجِنَايَةِ فِي ذَلِكَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ فِي الْجِنَايَةِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَمَا يَرِدُ مِنْهُ وَذَكَرَ حُكْمَ مَا يُلْحَقُ بِهِ اهـ.

وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا ذَكَرَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ وَالْمُدَبَّرِ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ جِنَايَتَهُمَا مَعَ غَصْبِهِمَا لِأَنَّ الْمُفْرَدَ قَبْلَ الْمُرَكَّبِ ثُمَّ جَرَّ كَلَامَهُ إلَى بَيَانِ حُكْمِ غَصْبِ الصَّبِيِّ. اهـ.

وَتَبِعَهُ الْعَيْنِيُّ أَقُولُ: هَذَا أَشْبَهُ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّقَرُّبُ بِأَحْسَنَ مِنْهُ تَدَبَّرْ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ فَغَصَبَهُ رَجُلٌ وَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَمَاتَ مِنْهُ بَرِئَ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ حِينَ قَطَعَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَائِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَى يَدِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إنَّ الْغَصْبَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْقَاطِعُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي فَكَانَتْ السِّرَايَةُ مُضَافَةً إلَى الْبِدَايَةِ فَصَارَ الْمَوْلَى مُتْلِفًا فَيَصِيرُ مُسْتَرِدًّا وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ لِاخْتِلَافِ الْمُسْتَحِقِّينَ وَالْغَصْبُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْمِلْكِ وَضْعًا وَالْغَاصِبُ لَا يَمْلِكُ إلَّا بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ضَرُورَةً كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مِلْكِ الْمَوْلَى الْبَدَلَ وَلَمْ يُوجَدْ تَحْقِيقُهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِقَطْعِ السِّرَايَةِ أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ التَّلَفِ بِالسِّرَايَةِ يَكُونُ هَدَرًا إلَّا إنْ تَسَبَّبَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِ الْجَانِي.

وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ هَذَا يُخَالِفُ مَذْهَبَنَا فَإِنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْطَعُ السِّرَايَةَ مَا لَمْ يَمْلِكْ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا لِأَنَّ السِّرَايَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِهِ بِاعْتِبَارِ تَبَدُّلِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَتَبَدَّلُ الْمِلْكُ بِهِ إذَا مَلَكَ الْبَدَلَ عَلَى الْغَاصِبِ وَهُوَ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَقْطَعَ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَضْمَنُ وَفِي رَهْنِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ جِنَايَاتِهِ إنَّمَا يَضْمَنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>