للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ هَدَرًا يُحْوِجُ إلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا اقْتَتَلَ الْمُسْلِمُونَ عَصَبِيَّةً فِي مَحَلَّةٍ فَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ فَإِنَّ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا.

وَقَالُوا فِي الْفَرْقِ إنَّ الْقِتَالَ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي مَكَان فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَدْرِي أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْ أَيِّهِمَا يُرَجَّحُ جَانِبُ احْتِمَالِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصَّلَاحِ فِي أَنَّهُمْ لَا يَتْرُكُونَ الْكُفَّارَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْحَالِ يَقْتُلُونَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَلَيْسَ ثَمَّةَ جِهَةُ الْحَمْلِ عَلَى الصَّلَاحِ حَيْثُ كَانَ الْفَرِيقَانِ مُسْلِمَيْنِ فَبَقِيَ حَالُ الْقَتْلِ مُشْكِلًا فَأَوْجَبْنَا الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ لِوُرُودِ النَّصِّ بِإِضَافَةِ الْقَتْلِ إلَيْهِمْ عِنْدَ الْإِشْكَالِ وَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ أَوْلَى عِنْدَ الِاحْتِمَالِ مِنْ الْعَمَلِ بِاَلَّذِي لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. اهـ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ طَعَنَّا فِي الْمَصِيرِ إلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ هُنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَصْلُحُ حُجَّةً وَثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِلنَّصِّ. اهـ.

أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا الْفَرْقُ بِتَمَامٍ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ ظَاهِرًا إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الظَّاهِرَ ثَمَّةَ لَوْ كَانَ حُجَّةً لَكَانَ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِدَفْعِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يَكُونُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ هَدَرًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ الْمَصِيرِ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ مِنْ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ كَمَا تَحَقَّقْتُهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِنْ قَالَ الْمُسْتَحْلِفُ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَرَفْت لَهُ قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ صَارَ مُسْتَثْنِيًا عَنْ الْيَمِينِ وَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ عَلَى حَالِهِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُسْتَحْلِفِ إنَّهُ قَتَلَهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ الْقَاتِلَ وَاعْتَرَفَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ بِجَوَازِ أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ لَهُ قَاتِلًا آخَرَ مَعَهُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَبَطَلَ) (شَهَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ عَلَى قَتْلِ غَيْرِهِمْ أَوْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا شَهِدُوا عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِخُصَمَاءَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا عَرْضِيَّةَ أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ خَصْمًا بِمَنْزِلَتِهِمْ قَابِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ صَارَ خَصْمًا فِي حَادِثَةٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ بِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَلَمْ يَنْتَصِبْ خَصْمًا بَعْدُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَهَذَانِ أَصْلَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُمَا يَجْعَلَانِ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ مِمَّنْ لَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ خَصْمًا وَهُوَ يَجْعَلُهُمْ مِمَّنْ انْتَصَبَ خَصْمًا وَعَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ يَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ فَمِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ الْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ إذَا خَاصَمَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عُزِلَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالشَّفِيعُ إذَا طَلَبَ الشُّفْعَةَ ثُمَّ تَرَكَهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْبَيْعِ.

وَمِنْ جِنْسِ الثَّانِي الْوَكِيلُ إذَا لَمْ يُخَاصِمْ وَالشَّفِيعُ إذَا لَمْ يَطْلُبْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَلَوْ ادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِهَا عَلَيْهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ وَالشَّاهِدُ يَقْطَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ مِنْهُمَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَرْأَةُ تَدْخُلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي التَّحَمُّلِ لِأَنَّا نَرَاهَا قَاتِلَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَصَارَ كَمَا إذَا بَاشَرَتْ الْقَتْلَ بِنَفْسِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْمَعَاقِلِ]

قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمَّا كَانَ مُوجِبُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا وَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا فَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْمِعْرَاجِ، وَقَالَ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ إنَّمَا هُوَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقَتْلِ الْخَطَأِ وَتَوَابِعِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ) أَيْ الْمَعَاقِلُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِالضَّمِّ، وَالْمَعْقُلَةُ الدِّيَةُ، وَتُسَمَّى عَقْلًا لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ أَيْ تَمْسِكُهَا يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرَ عَقْلًا إذَا شَدَّهُ بِالْعِقَالِ، وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ الْمَقَاتِلِ أَقُولُ: هَكَذَا وَقَعَ الْعِنْوَانُ فِي عَامَّةِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الْعَوَاقِلَ بَدَلَ الْمَعَاقِلِ لِأَنَّ الْمَعَاقِلَ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ، وَهِيَ الدِّيَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى كِتَابُ الدِّيَاتِ، وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ مُؤَدِّيًا إلَى التَّكْرَارِ لَيْسَ بِتَامٍّ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ بَيَانَ أَقْسَامِ الدِّيَاتِ وَأَحْكَامِهَا قَدْ مَرَّ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْبَيَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>