للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمَّهَاتِ دَفَعُوا إلَيْهِ الْأَمْوَالَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ بَطَلَ كَالْهِبَةِ وَإِقْرَارِهِ) أَيْ إذَا أَوْصَى لِابْنِهِ الْكَافِرِ أَوْ لِابْنِهِ الرَّقِيقِ فِي مَرَضِهِ فَأَسْلَمَ الِابْنُ أَوْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ الْأَبِ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا تَبْطُلُ الْهِبَةُ لَهُ، وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِالدَّيْنِ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا حَالَةُ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَارِثٌ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ لَهُ، وَالْهِبَةُ حُكْمُهَا مِثْلُ الْوَصِيَّةِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَافِرًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لِنَفْسِهِ، وَهُوَ وَارِثٌ بِسَبَبٍ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَهُوَ الْبُنُوَّةُ فَيَمْتَنِعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تُهْمَةِ إيثَارِ الْبَعْضِ فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ فَصَارَ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَأَقَرَّ لِأَخِيهِ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ أَبِيهِ، وَوَرِثَهُ أَخُوهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ لَهُ يَكُونُ بَاطِلًا لِمَا ذَكَرْنَا كَذَا هَذَا.

بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ فِي مَرَضِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَيْثُ لَا يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ وَارِثَةً بِسَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْإِقْرَارُ يَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ حَالَ صُدُورِهِ فَيَلْزَمُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَهَا لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهِيَ وَارِثَةٌ فَلِهَذَا اتَّحَدَ الْحُكْمُ فِيهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَافْتَرَقَا فِي الْإِقْرَارِ حَتَّى كَانَتْ الزَّوْجَةُ قَائِمَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ، وَهِيَ غَيْرُ وَارِثَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ أُعْتِقَتْ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِقِيَامِ السَّبَبِ حَالَ صُدُورِهِ، وَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَبْطُلُ كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ وَقَعَ لِلْمَوْلَى إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ، وَقِيلَ الْهِبَةُ لَهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ فَيَقَعُ لِلْمَوْلَى، وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ فَيَجُوزُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَهُ فَيَمْتَنِعُ، وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ هِيَ فِي الْمَرَضِ كَالْوَصِيَّةِ فِيهِ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُنَجَّزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّ حُكْمَهَا يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْمَوْتِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَبْطُلُ بِالدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ وَلَا تَجُوزُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْهِبَةَ يَقَعُ لَهُ، وَهُوَ وَارِثٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَجُوزُ كَالْوَصِيَّةِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُقْعَدُ وَالْمَفْلُوجُ وَالْأَشَلُّ وَالْمَسْلُولُ إنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُخَفْ مِنْهُ الْمَوْتُ فَهِبَتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) لِأَنَّهُ إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ صَارَ مِنْ طَبْعِهِ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَمَرَضُ الْمَوْتِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ غَالِبًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَوْتِ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَزْدَادُ حَالًا فَحَالًا إلَى أَنْ يَكُونَ آخِرُهُ الْمَوْتَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَحْكَمَ وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يَزْدَادُ وَلَا يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ لَا يَكُونُ سَبَبًا آخِرُهُ الْمَوْتُ كَالْعَمَى وَنَحْوِهِ، وَلِهَذَا لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّدَاوِي قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ) أَيْ إنْ لَمْ يَتَطَاوَلْ يُعْتَبَرُ تَصَرُّفُهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَمَاتَ مِنْهُ فِي أَيَّامِهِ لِأَنَّهُ مِنْ ابْتِدَائِهِ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَلِهَذَا يَتَدَاوَى فَيَكُونُ مِنْ مَرَضِ الْمَوْتِ، وَإِنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَ التَّطَاوُلِ فَهُوَ كَمَرَضٍ حَادِثٍ بِهِ حَتَّى تُعْتَبَرُ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَذَا ذَكَرَ الشَّارِحُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ]

لَمَّا كَانَ الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، وَكَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ، وَأَخْرَجَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (تَحْرِيرُهُ فِي مَرَضِهِ) يَعْنِي يَكُونُ وَصِيَّةً فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ وَصِيَّةً فَشَمِلَ مَا إذَا عَجَّلَ الْبَدَلَ أَوْ بَعْضَهُ فَمَاتَ السَّيِّدُ أَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ السَّيِّدِ، وَتَرَكَ مَالًا وَمَا إذَا أَعْتَقَ عَلَى مَال أَوْ لَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ مَسَائِلُهُ تَشْتَمِلُ عَلَى فُصُولٍ إحْدَاهَا فِي تَعْجِيلِ الْمُعْتَقِ بَعْضَ السِّعَايَةِ إلَى مَوْلَاهُ، وَالثَّانِي فِي تَرْكِ السِّعَايَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالثَّالِثُ فِي تَعْجِيلِ بَعْضِ السِّعَايَةِ فِي حَيَاتِهِ وَتَرْكِ السِّعَايَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ قِيمَتُهُ ثَلَثُمِائَةٍ فَعَجَّلَ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَهَا ثُمَّ مَاتَ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا يَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الْمِائَةِ الْبَاقِيَةِ، وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَ الْمِائَةِ، وَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ، وَفِي الْوَصَايَا يُعْتَبَرُ مَالُ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، وَالْمَوْتُ وَمَالُ الْمَيِّتِ يَوْمَ الْقِسْمَةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَّلَ ثُلُثَيْ السِّعَايَةِ فِي حَيَاةِ الْمَوْلَى صَحَّ التَّعْجِيلُ لِأَنَّهُ عَجَّلَ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ السِّعَايَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَكِنْ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ، وَهُوَ الْعِتْقُ أَوْ تَعْجِيلُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ جَائِزَةٌ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا فَصَارَ الْمُعَجَّلُ مِلْكًا لِلْمَوْلَى، وَقَدْ أَنْفَقَهَا فِي حَيَاتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>