للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدْ جَوَّزَ هُنَاكَ التَّحَرِّيَ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ وَفِي الْمُذْكِيَةِ وَالْمَيْتَةِ لَمْ يُجَوِّزْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ وَجْهَ الْفَرْقِ هُوَ أَنَّ حُكْمَ الثِّيَابِ أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ عَلَى الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغَنَمِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ نَجِسٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسًا وَرُبْعُهُ طَاهِرًا يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا بِالْإِجْمَاعِ فَلَمَّا جَازَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ نَجِسٌ بِيَقِينٍ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِالتَّحَرِّي حَالَةَ الِاشْتِبَاهِ أَوْلَى. اهـ.

أَقُولُ: الْجَوَابُ عِنْدِي وَالسُّؤَالُ فِيهِمَا نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ تَجْوِيزَ التَّحَرِّي فِيمَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ النَّجِسُ وَالطَّاهِرُ نِصْفَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْحَالَةُ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ، وَأَمَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيُبَاحُ لَهُ التَّنَاوُلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَا تَتَوَجَّهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ رَأْسًا لِظُهُورِ اخْتِلَافِ حُكْمِ الْحَالَيْنِ الِاخْتِيَارِ وَالِاضْطِرَارِ قَطْعًا، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَقْتَضِي كَوْنَ حُكْمِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا لِأَنَّ جَوَازَ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ الثِّيَابِ عِنْدَ كَوْنِ كُلِّهَا نَجِسَةً فَعَدَمُ لُزُومِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ إذْ ذَاكَ إذْ هُوَ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ كَمَا أَفْصَحَ عَنْهُ الْمُجِيبُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى الصَّلَاةِ فِيهَا وَكَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْغُنْمِ بِخِلَافِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا تَحَقَّقَتْهُ فَمِنْ أَيْنَ يَثْبُتُ حُكْمُ كَوْنِ الثِّيَابِ أَخَفَّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهَا مُطْلَقًا حَتَّى يَصْلُحَ أَنْ يُجْعَلَ مَدَارًا لِلْفَرْقِ بَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَتَيْنِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (لَفُّ ثَوْبٍ نَجِسٍ رَطْبٍ فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ يَابِسٍ فَظَهَرَ رُطُوبَتُهُ عَلَى الثَّوْبِ وَلَكِنْ لَا يَسِيلُ إذَا عُصِرَ لَا يَتَنَجَّسُ) وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ الطَّاهِرَ يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ قَلِيلًا مِنْ النَّجِسِ الرَّطْبِ وَإِنْ كَانَ الْيَابِسُ هُوَ النَّجِسَ وَالطَّاهِرُ هُوَ الرَّطْبَ لَا يَتَنَجَّسُ؛ لِأَنَّ الْيَابِسَ هُوَ النَّجِسُ يَأْخُذُ مِنْ الطَّاهِرِ وَلَا يَأْخُذُ الرَّطْبُ مِنْ الْيَابِسِ شَيْئًا وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ فِيمَا إذَا كَانَ الرَّطْبُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَفِي لَفْظِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى أَخْذِ اللَّيْلَةِ وَعَلَى هَذَا إذَا نُشِرَ الثَّوْبُ الْمَبْلُولُ عَلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ هُوَ يَابِسٌ لَا يَتَنَجَّسُ الثَّوْبُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إذَا نَامَ الرَّجُلُ عَلَى فِرَاشٍ فَأَصَابَهُ مَنِيٌّ وَيَبِسَ وَعَرِقَ الرَّجُلُ وَابْتَلَّ الْفِرَاشُ مِنْ عَرَقِهِ إنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ الْبَلَلِ فِي بَدَنِهِ لَا يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَإِنْ كَانَ الْعَرَقُ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ الْفِرَاشُ ثُمَّ أَصَابَ تِلْكَ الْفِرَاشُ جَسَدَهُ فَظَهَرَ أَثَرُهُ فِي جَسَدِهِ يَتَنَجَّسُ بَدَنُهُ، وَكَذَا الرَّجُلُ إذَا غَسَلَ رِجْلَهُ وَمَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ بِغَيْرِ مُكَعَّبٍ فَابْتَلَّ الْأَرْضُ مِنْ بَلَلِ رِجْلِهِ وَاسْوَدَّ وَجْهُ الْأَرْضِ لَكِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُ تِلْكَ الْأَرْضِ فِي رِجْلِهِ وَصَلَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بَلَلُ الْمَاءِ فِي الرِّجْلِ كَثِيرًا حَتَّى ابْتَلَّ وَجْهُ الْأَرْضِ وَصَارَ طِينًا ثُمَّ أَصَابَ الطِّينُ رِجْلَهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَوْ مَشَى عَلَى أَرْضٍ نَجِسَةٍ رَطْبَةٍ وَرِجْلُهُ يَابِسَةٌ تَنَجَّسَ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (رَأْسُ شَاةٍ مُتَلَطِّخٌ بِدَمٍ أُحْرِقَ وَزَالَ عَنْهُ الدَّمُ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ مَرَقَةً جَازَ وَالْحَرْقُ كَالْغُسْلِ) لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ شَيْءٌ أَوْ يُحِيلُهُ فَيَصِيرُ الدَّمُ رَمَادًا فَيَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَوْ حُرِقَتْ الْعَذِرَةُ وَصَارَتْ رَمَادًا طَهُرَتْ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ وَكَالْخِنْزِيرِ إذَا وَقَعَ فِي الْمُمَلَّحَةِ وَصَارَ مِلْحًا وَعَلَى هَذَا قَالُوا إذَا تَنَجَّسَ التَّنُّورُ يَطْهُرُ بِالنَّارِ حَتَّى لَا يُنَجِّسَ الْخُبْزَ وَكَذَلِكَ آلَةُ الْخَبَّازِ تَطْهُرُ بِالنَّارِ.

[[مسائل متفرقة في الخراج والعشر]]

وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (سُلْطَانٌ جَعَلَ الْخَرَاجَ لِرَبِّ الْأَرْضِ جَازَ وَإِنْ جَعَلَ الْعُشْرَ لَا) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا فِي جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ صَاحِبَ الْخَرَاجِ لَهُ حَقٌّ فِي الْخَرَاجِ فَصَحَّ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صِلَةٌ مِنْ الْإِمَامِ وَالْعُشْرُ حَقُّ الْفُقَرَاءِ عَلَى الْخُلُوصِ كَالزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْفَتْوَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ دَفَعَ الْأَرَاضِيَ الْمَمْلُوكَةَ إلَى قَوْمٍ لِيُعْطُوا الْخَرَاجَ جَازَ) مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْأَرَاضِي إذَا عَجَزُوا عَنْ زِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَأَدَاءِ الْخَرَاجِ دَفَعَ الْإِمَامُ الْأَرَاضِيَ إلَى غَيْرِهِمْ بِالْأُجْرَةِ، أَيْ يُؤَاجِرُ الْأَرَاضِيَ لِلْقَادِرِينَ عَلَى الزِّرَاعَةِ وَيَأْخُذُ الْخَرَاجَ مِنْ أُجْرَتِهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ مِنْ أُجْرَتِهَا يُدْفَعُ إلَى أَرْبَابِهَا وَهُمْ الْمُلَّاكُ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِإِزَالَةِ مِلْكِهِمْ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا وَجْهَ إلَى تَعْطِيلِ حَقِّ الْمُقَاتَلَةِ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَأْجِرُهَا بَاعَهَا الْإِمَامُ لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الزِّرَاعَةِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَبِعْهَا يَفُوتُ حَقُّ الْمُقَاتَلَةِ فِي الْخَرَاجِ أَصْلًا، وَلَوْ بَاعَ يَفُوتُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْعَيْنِ وَالْفَوَاتُ إلَى خَلَفٍ كَلَا فَوَاتٍ فَيَبِيعُ تَخْفِيفًا لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا غَيْرَهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَإِذَا بَاعَهَا يَأْخُذُ الْخَرَاجَ الْمَاضِيَ مِنْ الثَّمَنِ إذَا كَانَ عَلَيْهِمْ خَرَاجٌ وَرَدَّ الْفَضْلَ إلَى أَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي يَمْلِكُ بَيْعَ مَالِ الْمَدْيُونِ بِالدَّيْنِ وَالنَّفَقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>