للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْغَزْنَوِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا رُكْنٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَسَّمُوا الرُّكْنَ إلَى أَصْلِيٍّ، وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَزَائِدٍ، وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ، وَجَعَلُوا الْقِرَاءَةَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُقْتَدِي بِالِاقْتِدَاءِ عِنْدَنَا وَعَنْ الْمُدْرِكِ فِي الرُّكُوعِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ تَعَقَّبَ كَوْنَ الرُّكْنِ يَكُونُ زَائِدًا فَإِنَّ الرُّكْنَ مَا كَانَ دَاخِلَ الْمَاهِيَّةِ فَكَيْفَ يُوصَفُ بِالزِّيَادَةِ وَأَجَابَ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ بِأَنَّهُمَا بِاعْتِبَارَيْنِ فَتَسْمِيَتُهُ رُكْنًا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِهِ فِي حَالَةٍ بِحَيْثُ يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ، وَتَسْمِيَتُهُ زَائِدًا فَلِقِيَامِهِ بِدُونِهِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى بِحَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاؤُهُ انْتِفَاءَهُ وَالْمُنَافَاةُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لِأَنَّهَا مَاهِيَّةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَعْتَبِرَهَا الشَّارِعُ تَارَةً بِأَرْكَانٍ وَأُخْرَى بِأَقَلَّ مِنْهَا، فَإِنْ قِيلَ: فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا تَسْمِيَةُ غَسْلِ الرِّجْلِ رُكْنًا زَائِدًا فِي الْوُضُوءِ فَالْجَوَابُ: أَنَّ الزَّائِدَ هُوَ مَا إذَا سَقَطَ لَا يَخْلُفُهُ بَدَلٌ وَالْمَسْحُ بَدَلُ الْغُسْلِ فَلَيْسَ بِزَائِدٍ اهـ.

وَبِهَذَا خَرَجَ الْجَوَابُ عَنْ بَقِيَّةِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِزَوَائِدَ لِوُجُودِ الْخَلَفِ لَهَا، وَذَكَرَ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّ مَعْنَى الرُّكْنِ الزَّائِدِ هُوَ الْجُزْءُ الَّذِي إذَا انْتَفَى كَانَ حُكْمُ الْمُرَكَّبِ بَاقِيًا بِحَسَبِ اعْتِبَارِ الشَّرْعِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْكَمِيَّةِ كَالْإِقْرَارِ فِي الْإِيمَانِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْكَمْيَّةِ كَالْأَقَلِّ فِي الْمُرَكَّبِ مِنْهُ وَمِنْ الْأَكْثَرِ حَيْثُ يُقَالُ: لِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ اهـ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالْقِرَاءَةُ رُكْنٌ زَائِدٍ مَعَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَقْوَى مِنْهُ بِدَلِيلِ الْفَرْعِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ فِي بَحْثِ الْقِيَامِ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّمَا أَوْجَبُوا عَلَيْهِ الْقُعُودَ مَعَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَهُ بَدَلٌ، وَهُوَ الْقُعُودُ، وَالْقِرَاءَةُ لَا بَدَلَ لَهَا، وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْجَمَّ الْغَفِيرَ وَجَعَلَ الْقِرَاءَةَ رُكْنًا أَصْلِيًّا، وَحَدُّ الْقِرَاءَةِ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ بِلِسَانِهِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ، وَفِي النَّفْلِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى فَرْضِيَّتِهِمَا وَرُكْنِيَّتِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرُّكُوعِ فَفِي الْبَدَائِعِ وَأَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْقَدْرُ الْمَفْرُوضُ مِنْ الرُّكُوعِ أَصْلُ الِانْحِنَاءِ وَالْمَيْلِ، وَفِي الْحَاوِي: فَرْضُ الرُّكُوعِ انْحِنَاءُ الظَّهْرِ، وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: الرُّكُوعُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ، وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ أَصْلًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ فَرْضِ الرُّكُوعِ، وَهُوَ حَسَنٌ، كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي، وَفِيهَا: الْأَحْدَبُ إذَا بَلَغَتْ حُدُوبَتُهُ إلَى الرُّكُوعِ يَخْفِضُ رَأْسَهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ فِي حَقِّهِ، وَحَقِيقَةُ السُّجُودِ وَضْعُ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا لَا سُخْرِيَةَ فِيهِ فَدَخَلَ الْأَنْفُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ وَمَا إذَا رَفَعَ قَدَمَيْهِ فِي السُّجُودِ فَإِنَّ السُّجُودَ مَعَ رَفْعِ

ــ

[منحة الخالق]

[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ إلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِرُكْنٍ) عِبَارَةُ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَلَيْسَتْ بِرُكْنٍ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَا يَسْقُطُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ ضَرُورَةٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِلَا ضَرُورَةٍ لِيَلْزَمَ كَوْنُهُ زَائِدًا وَسُقُوطُهُ فِيمَا مَرَّ لِضَرُورَةِ الِاقْتِدَاءِ، وَمِنْ هُنَا ادَّعَى ابْنُ الْمَلَكِ أَنَّهُ أَصْلِيٌّ وَلَوْ سُلِّمَ فَلَا تَلْزَمُ زِيَادَتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ بِالْمَسْحِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: الزَّائِدُ هُوَ السَّاقِطُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِلَا خَلَفٍ بِخِلَافِ الْأَصْلِيِّ. اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: إنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ خَلَفٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْمُؤْتَمِّ لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلَفِ خَلَفٌ يَأْتِي بِهِ مَنْ فَاتَهُ الْأَصْلُ وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَيَرُدُّ عَلَى كِلَا التَّعْرِيفَيْنِ الْقُعُودُ الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رُكْنٌ زَائِدٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ إلَى خَلَفٍ كَالِاضْطِجَاعِ أَوْ الِاسْتِلْقَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ شَرْطٌ لَا رُكْنٌ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِابْنِ مَالِكٍ شُبْهَةً قَوِيَّةً فِي مُخَالَفَتِهِ لِلْجَمِّ الْغَفِيرِ فِي أَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْرِ الْفَرْضِ فِي الْفَرْضِ) بِجَرِّ قَدْرٍ عَطْفًا عَلَى الْخِلَافِ الْمُضَافِ إلَى بَيَانٍ.

[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

(قَوْلُهُ وَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَحْنِ ظَهْرَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مُرَادَهُ طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَإِنْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا وَلَمْ يَعْتَدِلْ إنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ. اهـ.

وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ فِي شَرْحِهَا طَأْطَأَةُ الرَّأْسِ أَيْ خَفْضُهُ مَعَ انْحِنَاءِ الظَّهْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ وَضْعِ اللُّغَةِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: ٧٧] ، وَأَمَّا كَمَا لَهُ فَبِانْحِنَاءِ الصُّلْبِ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرَّأْسُ بِالْعَجُزِ مُحَاذَاةً، وَهُوَ حَدُّ الِاعْتِدَالِ فِيهِ اهـ.

كَذَا فِي حَوَاشِي نُوحْ أَفَنْدِي (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْخَدُّ وَالذَّقَنُ) تَعَقَّبَهُ الْعَلَّامَةُ الْغُنَيْمِيُّ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْخَدَّ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَجْهِ، وَقَدْ قَالُوا مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْوَجْهِ: وَأَقُولُ: الْإِخْرَاجُ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ لَيْسَ وَجْهًا بَلْ الظَّاهِرُ مِنْ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ بِالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَالصُّدْغِ سُخْرِيَةً لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الصَّوَابُ زِيَادَةُ قَيْدِ مَعَ الِاسْتِقْبَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ لِقَوْلِ السِّرَاجِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى خَدِّهِ أَوْ ذَقَنِهِ لَا يَجُوزُ لَا فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِ لَا أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ يُومِئُ إيمَاءً وَلَا يَسْجُدُ عَلَى الْخَدِّ لِأَنَّ الشَّرْعَ عَيَّنَ الْأَنْفَ وَالْجَبْهَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>