للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي لَيْسَتْ أَخِيرَةً؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ فِي الصَّلَاةِ قَدْ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ بِثَلَاثٍ فِي الرُّبَاعِيَّةِ يَقْعُدُ ثَلَاثَ قَعَدَاتٍ كُلٌّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَاجِبٌ وَالثَّالِثَةُ هِيَ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ فَرْضٌ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَسَائِلِ الْمَسْبُوقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خِزَانَةِ الْفِقْهِ أَنَّ الْقُعُودَ فِي الصَّلَاةِ يَتَكَرَّرُ عَشْرَ مَرَّاتٍ.

(قَوْلُهُ وَالتَّشَهُّدُ) أَيْ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، وَفِي بَعْضِ نُسَخِ النُّقَايَةِ: وَالتَّشَهُّدَانِ، بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ لِلْمُوَاظَبَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوُجُوبِ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ قُلْ: التَّحِيَّاتُ» مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ سُنِّيَّةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَعْدَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَخِيرَةَ لَمَّا كَانَتْ فَرْضًا كَانَ تَشَهُّدُهَا وَاجِبًا وَالْأُولَى لَمَّا كَانَتْ وَاجِبَةً كَانَ تَشَهُّدُهَا سُنَّةً، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُلَازَمَةِ فَإِنَّ التَّشَهُّدَ إنَّمَا هُوَ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَتَيْنِ فَلِذَا كَانَ الْوُجُوبُ فِيهِمَا ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، وَإِنْ كَانَ سَكَتَ عَنْهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ جَعَلَهُ سُنَّةً غَيْرُ صَحِيحٍ وَغَفْلَةٌ عَنْ تَصْرِيحِهِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَلَعَلَّ صَاحِبَ الْكِتَابِ إنَّمَا لَمْ يَأْتِ بِالتَّثْنِيَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ كُلَّ تَشَهُّدٍ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا عَلِمْته فِي الْقُعُودِ.

(قَوْلُهُ وَلَفْظُ السَّلَامِ) لِلْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى افْتِرَاضِهِ حَتَّى قَالَ النَّوَوِيُّ لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " لَمْ تَصِحَّ كَمَا قَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْك " أَوْ " سَلَامِي عَلَيْكُمْ " لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ: «إذَا قُلْتُ: هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ قَضَيْت صَلَاتَك إنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَطْلَقَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْمَ السُّنَّةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ، وَالْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ يَحْصُلُ عِنْدَنَا بِمُجَرَّدِ لَفْظِ السَّلَامِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَوْلِهِ: عَلَيْكُمْ، وَفِي قَوْلِهِ لَفْظُ السَّلَامِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِالْتِفَاتَ بِهِ يَمِينًا وَيَسَارًا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّةٌ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَإِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ السَّلَامُ فَقَطْ دُونَ عَلَيْكُمْ وَإِلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَاهُ حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ بَلْ يَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْعَرَبِيِّ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ: وَلَفْظُ التَّشَهُّدِ، وَقَالَ: وَلَفْظُ السَّلَامِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: وَإِصَابَةُ لَفْظِ السَّلَامِ. لَكِنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ يُخَالِفُهَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الشَّارِحَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَنَّ السَّلَامَ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ.

(قَوْلُهُ وَقُنُوتُ الْوِتْرِ) أَيْ قِرَاءَةُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ وَاجِبَةٌ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَهُوَ سُنَّةٌ كَنَفْسِ صَلَاةِ الْوِتْرِ وَاسْتُدِلَّ لِوُجُوبِهِ بِأَنَّهُ يُضَافُ إلَى الصَّلَاةِ فَيُقَالُ قُنُوتُ الْوِتْرِ فَدَلَّ أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَهُوَ إمَّا بِالْوُجُوبِ أَوْ بِالْفَرْضِ وَانْتَفَى الثَّانِي فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ لَمْ تُسْمَعْ مِنْ الشَّارِعِ حَتَّى تُفِيدَ الِاخْتِصَاصَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْمُوَاظَبَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْهُ فِي بَابِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءُ وَلَا يَخْتَصُّ بِلَفْظٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُؤَقِّتَ دُعَاءً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِهِ إلَّا الدُّعَاءَ الْمَعْرُوفَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُك إلَى آخِرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ دَعَا بِغَيْرِهِ جَازَ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ سَبْقِ الْحَدَثِ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا حِينَ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَانَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا فِي حَقِّهِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا عَارِضٌ

(قَوْلُهُ فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الْكَافِي، وَأَمَّا وُجُوبُ التَّشَهُّدِ فِي الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَفِي الْهِدَايَةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ وَقِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ يُؤْذِنُ بِأَنَّ قِرَاءَتَهُ فِي الْأُولَى لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إذْ التَّخْصِيصُ فِي الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: جَازَ الْوُضُوءُ، مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُشِيرُ إلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ مَوْضِعَ الْوُقُوعِ، وَقَالَ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ، وَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبَعْضِ وَكَانَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَالَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَفِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ اهـ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا غَفْلَةَ مِنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بِنَاءُ كَلَامِهِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي

(قَوْلُهُ وَإِلَى أَنَّ لَفْظًا آخَرَ) إلَى قَوْلِهِ لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الْعَرَبِيِّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ سَاقِطَةٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَمَوْجُودَةٌ فِي بَعْضِهَا

[الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ]

(قَوْلُهُ وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ الدُّعَاءُ) مَعْطُوفٌ عَلَى شَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>