للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْأُمِّيِّ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ لَا تَلْزَمُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَصَحَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ عَدَمَ صِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ بِالْقَهْقَهَةِ وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلِمَ الْأُمِّيُّ أَنَّ خَلْفَهُ قَارِئًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْفَرَائِضَ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَالُ بَيْنَ الْجَهْلِ وَالْعِلْمِ وَشَمِلَ مَا إذَا نَوَى الْأُمِّيُّ إمَامَةَ الْقَارِئِ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ تَرْكُ الْفَرْضِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ الرَّغْبَةِ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْقَارِئَ وَالْأَخْرَسَ إذَا اقْتَدَيَا بِالْأَخْرَسِ فَهُوَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ شُرُوعُ الْقَارِئِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي التَّحْرِيمَةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ أَمَّ مَنْ يَقْرَأُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ الْقَارِئِينَ جَازَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَالْأَخْرَسُ إذَا أَمَّ خُرْسَانًا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي إمَامَةِ الْأَخْرَسِ الْأُمِّيَّ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ اهـ

فَالْحَاصِلُ أَنَّ إمَامَةَ الْإِنْسَانِ لِمُمَاثِلِهِ صَحِيحَةٌ إلَّا إمَامَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِمِثْلِهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلِمَنْ دُونَهُ صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا وَلِمَنْ فَوْقَهُ لَا تَصِحُّ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِتَأَدِّي فَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ صَلَاةٌ فَلَا تَخْلُو عَنْ الْقِرَاءَةِ إمَّا تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا وَلَا تَقْدِيرَ فِي حَقِّ الْأُمِّيِّ لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَدْ اسْتَحْلَفَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ فَفَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. أَمَّا صَلَاةُ الْإِمَامِ فَلِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهَا، وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا قَدَّمَهُ فِي التَّشَهُّدِ أَيْ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ أَمَّا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ صَحِيحٌ بِالْإِجْمَاعِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ وَقِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ. كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَسَائِلِ الْأُمِّيِّ قُدْرَةَ الْغَيْرِ مَعَ أَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا تَعَلَّقَ بِاخْتِيَارِ ذَلِكَ الْغَيْرِ أَمَّا هُنَا الْأُمِّيُّ قَادِرٌ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِالْقَارِئِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْقَارِئِ فَيُنَزَّلُ قَادِرًا عَلَى الْقِرَاءَةِ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ تَحَرَّمَ نَاوِيًا أَنْ يَؤُمَّ أَحَدًا فَائْتَمَّ بِهِ رَجُلٌ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ، وَفِي الْمُغْرِبِ الْأُمِّيُّ فِي اللُّغَةِ مَنْسُوبٌ إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ تَكْتُبُ وَلَا تَقْرَأُ فَاسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَالْقِرَاءَةَ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْأُمِّيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الِاجْتِهَادِ فِي تَعَلُّمِ مَا تَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ فِي الْقَدْرِ الْوَاجِبِ وَإِلَّا فَهُوَ آثِمٌ وَقَدَّمْنَا نَحْوَهُ فِي إخْرَاجِ الْحَرْفِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إخْرَاجِهِ وَسُئِلَ ظَهِيرُ الدِّينِ عَنْ الْقِيَامِ هَلْ يَتَقَدَّرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَا، وَكَذَلِكَ ذُكِرَ فِي اللَّاحِقِ فِي الشَّافِي اهـ.

أَيْ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالشَّافِي لِلْبَيْهَقِيِّ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْأَلْثَغِ لِغَيْرِهِ ذَكَرَ الْفُضَيْلِيُّ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى عَدَمَ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ فَقَدَّمَهُ عَلَى مَا يُفْسِدُهَا وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدَثَ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَعْضَاءِ إلَى غَايَةِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى) وَالْقِيَاسُ فَسَادُهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ يُنَافِيهَا وَالْمَشْيُ وَالِانْحِرَافُ يُفْسِدَانِهَا فَأَشْبَهَ الْحَدَثُ الْعَمْدَ وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قَاءَ أَوْ رَعَفَ أَوْ أَمْذَى فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ» وَلَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ مُرْسَلًا وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَذْهَبُنَا ثَابِتٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً فَوَجَبَ تَرْكُ الْقِيَاسِ بِهِ وَالْبَلْوَى فِيمَا يَسْبِقُ دُونَ مَا يَتَعَمَّدُهُ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، ثُمَّ لِجَوَازِ الْبِنَاءِ شُرُوطٌ:

الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ سَمَاوِيًّا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسَّبْقِ وَهُوَ مَا لَا اخْتِيَارَ لِلْعَبْدِ

ــ

[منحة الخالق]

قَالَ فِي الشرنبلالية فِيهِ مُخَالَفَةٌ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّصْحِيحِ اهـ.

أَيْ لِأَنَّ تَعْلِيلَ الْهِدَايَةِ يَقْتَضِي الصِّحَّةَ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْمُخَالَفَةِ فِي الْفَتْحِ وَحَرَّرْنَا الْمَقَامَ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى شَرْحِ التَّنْوِيرِ فَرَاجِعْهُ.

[بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ وَعَرَّفَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّهُ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَحِلُّ فِي الْأَعْضَاءِ يُزِيلُ الطَّهَارَةَ. قَالَ وَحُكْمُهُ الْمَانِعِيَّةُ لِمَا جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا لَهُ وَهُوَ الْمَنْوِيُّ رَفْعُهُ عِنْدَ الْوُضُوءِ دُونَ الْمَعْذُورِ وَالْمُتَيَمِّمِ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفُ مَنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ تَوَضَّأَ وَبَنَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: يَعْنِي تَوَضَّأَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَيَمَّمَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَوْ عِيدَ وَلَوْ بِنَاءً، وَإِنَّمَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْهُ وَمِنْ إطْلَاقِ قَوْلِهِ فِيهِ تَيَمَّمَ لِبُعْدِهِ مِيلًا إلَخْ اهـ.

أَقُولُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ مَحْمُودٌ الْأُوزْجَنْدِيُّ عَمَّنْ أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَذَهَبَ لِيَتَوَضَّأَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَانْصَرَفَ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ قَالَ لَا. قِيلَ لِلذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ حُكْمُ الصَّلَاةِ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا فِي الصَّلَاةِ. قِيلَ لِمَ لَا تَفْسُدُ بِالضَّرْبَةِ لِلتَّيَمُّمِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ مُفِيدًا اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>