للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ وَعِمَامَةٍ أَمَّا لَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ جَمِيعَ بَدَنِهِ كَإِزَارِ الْمَيِّتِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَتَفْسِيرُهُ مَا يَجْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمُقَصَّرَةِ، وَإِنْ صَلَّى فِي إزَارٍ وَاحِدٍ يَجُوزُ وَيُكْرَهُ وَكَذَا فِي السَّرَاوِيلِ فَقَطْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَذَا مَكْشُوفُ الرَّأْسِ لِلتَّهَاوُنِ وَالتَّكَاسُلِ لَا لِلْخُشُوعِ وَفَسَّرَ فِي الذَّخِيرَةِ التَّوْشِيحَ أَنْ يَكُونَ الثَّوْبُ طَوِيلًا يَتَوَشَّحُ بِهِ فَيَجْعَلُ بَعْضَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَبَعْضَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي أَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مُسْتَحَبٌّ يُكْرَهُ تَرْكُهُ تَنْزِيهًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ بِأَنْ يُدْخِلَهُ تَحْتَ يَدِهِ الْيُمْنَى وَيُلْقِيَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ اهـ.

وَفَسَّرَهُ ابْنُ السِّكِّيتِ بِأَنْ يَأْخُذَ طَرَفَ الثَّوْبِ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذَ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَعْقِدَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ وَفِي لَفْظٍ مُشْتَمِلًا بِهِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَفِي لَفْظٍ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ» وَالْأَلْفَاظُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّلَثُّمُ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ لَكِنَّ التَّلَثُّمَ هُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ

(قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) وَهُوَ التَّنَفُّسُ الَّذِي يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ وَهُوَ يَنْشَأُ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَثِقَلِ الْبَدَنِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ» وَالْأَدَبُ أَنْ يَكْظِمَهُ مَا اسْتَطَاعَ أَيْ يَرُدَّهُ وَيَحْبِسَهُ لِمَا رَوَيْنَا فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ وَوَضْعُ الْيَدِ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَضْعُ الْكُمِّ قِيَاسٌ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ عِنْدَ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَأْخُذَ شَفَتَيْهِ بِسِنِّهِ فَلَمْ يَفْعَلْ وَغَطَّى فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ بِثَوْبِهِ يُكْرَهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ تَغْطِيَةَ الْفَمِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إذَا أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ ثُمَّ إذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ يَضَعُ ظَهْرَ يَدِهِ كَذَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْحَلَبِيُّ وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ مَسْطُورًا لِمَشَايِخِنَا اهـ.

وَهُوَ عَجِيبٌ مَعَ كَثْرَةِ مُطَالَعَتِهِ لِلْمُجْتَبَى وَنَقْلِهِ عَنْهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يُغَطِّي فَاهُ بِيَمِينِهِ وَقِيلَ بِيَمِينِهِ فِي الْقِيَامِ وَفِي غَيْرِهِ بِيَسَارِهِ اهـ.

وَمِنْ الْمَكْرُوهِ التَّمَطِّي لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ

(قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» إلَّا أَنَّ فِي سَنَدِهِ مَنْ ضُعِّفَ وَالْكَرَاهَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ بَصَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي التَّغْمِيضِ تَرْكُ هَذِهِ السُّنَّةِ وَلِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ ذُو حَظٍّ مِنْ هَذِهِ الْعِبَادَةِ فَكَذَا الْعَيْنُ اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُغْمِضُ فِي السُّجُودِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ نَفَّعَنَا اللَّهُ بِهِمْ يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ فِي السُّجُودِ لِأَنَّهُمَا يَسْجُدَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةً إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا مَصْلَحَةٍ أَمَّا لَوْ خَافَ فَوَاتَ خُشُوعٍ بِسَبَبِ رُؤْيَةِ مَا يُفَرِّقُ الْخَاطِرَ فَلَا يُكْرَهُ غَمْضُهُمَا بِسَبَبِ ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَوْلَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لِكَمَالِ الْخُشُوعِ

(قَوْلُهُ وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ الْمِحْرَابِ لِأَنَّ قِيَامَهُ فِيهِ يُشْبِهُ صَنِيعَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِخِلَافِ سُجُودِهِ فِيهِ وَقِيَامِهِ خَارِجَهُ هَكَذَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ لِلْمَشَايِخِ وَأَصْلُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفَسَّرَهُ فِي الْمُغْرِبِ) أَيْ فَسَّرَ التَّوَشُّحَ (قَوْلُهُ لَكِنْ التَّلَثُّمُ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الشَّارِحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّلَثُّمَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ وَتَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْوَجْهِ (قَوْلُهُ وَلَوْ سَتَرَ قَدَمَيْهِ فِي السَّجْدَةِ يُكْرَهُ) قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ قَصْدُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَمَّا لَوْ وَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا وَجْهَ لِكَرَاهَتِهِ بَلْ يُكْرَهُ تَكَلُّفُ الْكَشْفِ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالتَّثَاؤُبُ) بِالْهَمْزِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ يُكْرَهُ وَلَوْ خَارِجَهَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَحْفُوظُونَ مِنْهُ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ تُحْفَةِ الْمُلُوكِ الْمُسَمَّى بِهَدِيَّةِ الصُّعْلُوكِ قَالَ الزَّاهِدِيُّ الطَّرِيقُ فِي دَفْعِ التَّثَاؤُبِ أَنْ يَخْطِرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَا تَثَاءَبُوا قَطُّ قَالَ الْقُدُورِيُّ جَرَّبْنَاهُ مِرَارًا فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ) دَلِيلٌ لِلْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَجِيبٌ إلَخْ) أَعْجَبُ مِنْهُ قَوْلُ النَّهْرِ وَأَفَادَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُغَطِّي فِي الْقِيَامِ بِالْيُمْنَى وَفِي غَيْرِهِ بِالْيُسْرَى وَاَلَّذِي رَأَيْته فِيهِ أَنَّهُ يُغَطِّي بِالْيُمْنَى وَقِيلَ إنْ كَانَ فِي الْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَبِالْيُسْرَى اهـ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي نُسْخَةِ الْبَحْرِ الَّتِي اطَّلَعَ عَلَيْهَا سَقْطٌ

[تَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ]

(قَوْلُهُ مَنْ ضُعِّفَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ عَيْنِ ضُعِّفَ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ

(قَوْلُ الْمُصَنِّف وَقِيَامُ الْإِمَامِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>