للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُهُ وَهُوَ عِلَّةُ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّ شَرَّ الْبِقَاعِ بُقْعَةٌ لَا تَدْخُلُهَا الْمَلَائِكَةُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ وَهُوَ مَا فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ «اسْتَأْذَنَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ اُدْخُلْ فَقَالَ كَيْفَ أَدْخُلُ وَفِي بَيْتِكَ سِتْرٌ فِيهِ تَصَاوِيرُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاقْطَعْ رُءُوسَهَا أَوْ اقْطَعْهَا وَسَائِدَ أَوْ اجْعَلْهَا بُسُطًا»

وَفِي الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّهَا اتَّخَذَتْ عَلَى سَهْوَةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَهَتَكَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ فَاِتَّخَذْتُ مِنْهُ نِمْرِقَتَيْنِ فَكَانَتَا فِي الْبَيْتِ نَجْلِسُ عَلَيْهِمَا» زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ «وَلَقَدْ رَأَيْته مُتَّكِئًا عَلَى أَحَدِهِمَا وَفِيهِ صُورَةٌ» وَالسَّهْوَةُ كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ الْبَيْتِ وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ وَالنِّمْرُقَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وِسَادَةٌ صَغِيرَةٌ وَالْوِسَادَةُ الْمِخَدَّةُ لَكِنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ صُورَةٌ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَمَمْنُوعٌ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْجُدُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَنْصِبُونَهَا وَيَتَوَجَّهُونَ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِيهَا صُورَةَ التَّشَبُّهِ بِعِبَادَتِهَا حَالَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا إنْ سَجَدَ عَلَيْهَا وَلِهَذَا أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ فِي الْأَصْلِ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى الْبِسَاطِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ صُورَةٌ لِأَنَّ الَّذِي يُصَلَّى عَلَيْهِ مُعَظَّمٌ فَوَضْعُ الصُّورَةِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لَهَا بِخِلَافِ الْبِسَاطِ الَّذِي لَيْسَ بِمُصَلًّى وَتَقَدَّمَ عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ التَّقْيِيدُ بِمَوْضِعِ السُّجُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ إطْلَاقُ الْأَصْلِ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَا يُكْرَهُ اتِّفَاقًا وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ لَكِنْ لَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ ثُمَّ التِّمْثَالُ إنْ كَانَ عَلَى وِسَادَةٍ أَوْ بِسَاطٍ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ هَلْ تَمْنَعُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ بِسَبَبِهَا فَذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخَصَّصَةٌ وَذَهَبَ النَّوَوِيُّ إلَى الْقَوْلِ بِالْعُمُومِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْمَذْكُورِينَ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ إلَّا فِي خَلْوَتِهِ بِأَهْلِهِ وَعِنْدَ الْخَلَاءِ

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّ الصِّغَارَ جِدًّا لَا تُعْبَدُ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْوَثَنِ فَلَا تُكْرَهُ فِي الْبَيْتِ وَالْكَرَاهَةُ إنَّمَا كَانَتْ بِاعْتِبَارِ شَبَهِ الْعِبَادَةِ كَذَا قَالُوا وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَنَقَلَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى ذُبَابَتَانِ وَأَنَّهُ لَمَّا وُجِدَ خَاتَمُ دَانْيَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وُجِدَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبُؤَةٌ بَيْنَهُمَا صَبِيٌّ يَلْحَسَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ بُخْتَ نَصَّرَ قِيلَ لَهُ يُولَدُ مَوْلُودٌ يَكُونُ هَلَاكُك عَلَى يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَقْتُلُ مَنْ يُولَدُ فَلَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ دَانْيَالَ أَلْقَتْهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَسْلَمَ فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبُؤَةً تُرْضِعُهُ فَنَقَشَهُ بِمَرْأًى مِنْهُ لِيَتَذَكَّرَ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَدَفَعَهُ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَانَ لِابْنِ عَبَّاسٍ كَانُونٌ مَحْفُوفٌ بِصُوَرٍ صِغَارٍ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الْكَرَاهَةِ رَجُلٌ صَلَّى وَمَعَهُ دَرَاهِمُ وَفِيهَا تَمَاثِيلُ مِلِكٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِصِغَرِهَا. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَصْلِ أَوْ كَانَ لَهَا رَأْسٌ وَمُحِيَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَطْعُ بِخَيْطٍ خِيطَ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمِغْرَةٍ وَنَحْوِهَا أَوْ بِنَحْتِهِ أَوْ بِغَسْلِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةٍ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَنْطَلِقُ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَدَعُ بِهَا وَثَنًا إلَّا كَسَرَهُ وَلَا قَبْرًا إلَّا سَوَّاهُ وَلَا صُورَةً إلَّا لَطَّخَهَا» اهـ.

وَأَمَّا قَطْعُ الرَّأْسِ عَنْ الْجَسَدِ بِخَيْطٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِوُجُودِ مُخَصِّصٍ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ لَمْ تُكْرَهْ (قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ يَقْتَضِي أَيْ لِأَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَتْ مُهَانَةً لَا تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الدُّخُولِ كَمَا أَفَادَتْهُ النُّصُوصُ الْمُخَصِّصَةُ وَإِذَا انْتَفَتْ الْعِلَّةُ ثَبَتَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ عُلِّلَ بِالتَّشَبُّهِ إلَخْ دَفْعٌ لِمَا يُقَالُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَاهَةِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّشَبُّهُ فَانْتِفَاءُ تِلْكَ الْعِلَّةِ لَا يُوجِبُ ثُبُوتَ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا) اُنْظُرْ مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِمَا وَنُظِرَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فِي دَعْوَى الْكَرَاهَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِي الْهِدَايَةِ لَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى وِسَادَةٍ مُلْقَاةٍ أَوْ عَلَى بِسَاطٍ مَفْرُوشٍ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا تُدَاسُ وَتُوطَأُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْوِسَادَةُ مَنْصُوبَةً أَوْ كَانَتْ مَعَ السِّتْرِ لِأَنَّهُ تَعْظِيمٌ لَهَا. اهـ.

قُلْت وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهَا أَيْ بِأَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْوِسَادَةِ وَيَفْرِشَ الْبِسَاطَ وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُهُمَا أَيْ اتِّخَاذُهُمَا لِزِينَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمٌ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالِاتِّخَاذِ فِعْلُ التَّصْوِيرِ فِيهِمَا أَيْ أَنَّ التَّصْوِيرَ فِيهِمَا مَكْرُوهٌ دُونَ اسْتِعْمَالِهِمَا تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ التَّشَبُّهَ بَلْ الْعِلَّةُ عَدَمُ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - بَيْتًا هِيَ فِيهِ (قَوْلُهُ الَّتِي لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ عَلَى بُعْدٍ) لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا حَدَّ الْبُعْدِ وَيُفَسِّرُهُ مَا فِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ إذَا كَانَ قَائِمًا وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ لَا تَتَبَيَّنُ أَعْضَاؤُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>