للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ يَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ قَلِيلٍ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا لَوْ تَرَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ أَوْ كُمِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْكَرَاهَةِ فِي الصَّلَاةِ شَرَعَ فِي بَيَانِهَا خَارِجَهَا مِمَّا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهَا (قَوْلُهُ كُرِهَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا) وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ بَيْتُ التَّغَوُّطِ وَأَمَّا بِالْقَصْرِ فَهُوَ النَّبْتُ وَالْكَرَاهَةُ تَحْرِيمِيَّةٌ لِمَا أَخْرَجَهُ السِّتَّةُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرَّبُوا» وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ كَرَاهَةَ الِاسْتِدْبَارِ كَالِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الْفَضَاءَ وَالْبُنْيَانَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَسِيَ فَجَلَسَ مُسْتَقْبِلًا فَذَكَرَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُهُ لِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ جَلَسَ يَبُولُ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ» وَكَمَا يُكْرَهُ لِلْبَالِغِ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَمْسِكَ الصَّبِيَّ نَحْوَهَا لِيَبُولَ وَقَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يَمُدَّ رِجْلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى مَكَان مُرْتَفِعٍ عَنْ الْمُحَاذَاةِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَغَلْقُ بَابِ الْمَسْجِدِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ تَعَالَى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [البقرة: ١١٤] وَالْإِغْلَاقُ يُشْبِهُ الْمَنْعَ فَيُكْرَهُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خِيفَ عَلَى مَتَاعِ الْمَسْجِدِ اهـ.

وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِزَمَانِنَا كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ فَالْمَدَارُ خَشْيَةُ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي زَمَانِنَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ ثَبَتَ كَذَلِكَ إلَّا فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ لَا فَلَا أَوْ فِي بَعْضِهَا فَفِي بَعْضِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْعِنَايَةِ وَالتَّدْبِيرُ فِي الْغَلْقِ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَإِنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَجَعَلُوهُ مُتَوَلِّيًا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي يَكُونُ مُتَوَلِّيًا اهـ.

وَفِي النِّهَايَةِ وَكَانَ الْمُتَقَدِّمُونَ يَكْرَهُونَ شَدَّ الْمَصَاحِفِ وَاتِّخَاذَ الْمُشِدَّةِ لَهَا كَيْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَنْعِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَهَذَا مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ لِأَنَّ الْمُصْحَفَ مِلْكٌ لِصَاحِبِهِ وَالْمَسْجِدُ لَيْسَ بِمِلْكٍ لِأَحَدٍ اهـ.

وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ جَهْلُ بَعْضِ مُدَرِّسِي زَمَانِنَا مِنْ مَنْعِهِمْ مَنْ يَدْرُسُ فِي مَسْجِدٍ تَقَرَّرَ فِي تَدْرِيسِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِمْ لِذَلِكَ زَاعِمِينَ الِاخْتِصَاصَ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى سَمِعْت مِنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُضِيفُهَا إلَى نَفْسِهِ وَيَقُولُ هَذِهِ مَدْرَسَتِي أَوْ لَا تَدْرُسْ فِي مَدْرَسَتِي وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا غَضِبَ عَلَى شَخْصٍ يَمْنَعُهُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ خُصُوصًا بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ عَظِيمٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: ١٨] وَمَا تَلَوْنَاهُ مِنْ الْآيَةِ السَّابِقَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُطْلَقًا أَنْ يَمْنَعَ مُؤْمِنًا مِنْ عِبَادَةٍ يَأْتِي بِهَا فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَا بُنِيَ إلَّا لَهَا مِنْ صَلَاةٍ وَاعْتِكَافٍ وَذِكْرٍ شَرْعِيٍّ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ وَتَعَلُّمِهِ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَكَانٌ مَخْصُوصٌ لِأَحَدٍ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْمُدَرِّسِ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يُدَرِّسُ فِيهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إزْعَاجُهُ وَإِقَامَتُهُ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ الزَّاهِدِيُّ فِي فَتَاوِيهِ الْمُسَمَّاةِ بِالْقُنْيَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْعَصْرِ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعٌ مُعَيَّنٌ يُوَاظِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ شَغَلَهُ غَيْرُهُ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا اهـ.

وَمِنْ الْفُرُوعِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُدَرِّسَ الْمَسْجِدِ كَغَيْرِهِ مَا قَالَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا لَيْسَ لِلْمُدَرِّسِ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْعَلَ مِنْ بَيْتِهِ بَابًا إلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ فَعَلَ أَدَّى ضَمَانَ نُقْصَانِ الْجِدَارِ إنْ وَقَعَ فِيهِ اهـ.

وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ مُدَرِّسِي الْأَرْوَامِ يَعْتَقِدُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي لَهُ مُدَرِّسٌ أَنَّهُ مَدْرَسَةٌ وَلَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَتَّى يَنْتَهِكَ حُرْمَتَهُ بِالْمَشْيِ فِيهِ بِنَعْلِهِ الْمُتَنَجِّسِ مَعَ تَصْرِيحِ الْوَاقِفِ بِجَعْلِهِ مَسْجِدًا وَسَيَأْتِي شُرُوطُ الْمَسْجِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْوَقْفِ

[الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَالْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ]

(قَوْلُهُ وَالْوَطْءُ فَوْقَهُ وَالْبَوْلُ وَالتَّخَلِّي) أَيْ وَكُرِهَ الْوَطْءُ فَوْقَ الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْبَوْلُ وَالتَّغَوُّطُ لِأَنَّ سَطْحَ الْمَسْجِدِ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ مِنْهُ بِمَنْ تَحْتَهُ وَلَا

ــ

[منحة الخالق]

[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

فَصْلٌ (قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِانْحِرَافُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَوْ تَذَكَّرَ بَعْدَ اسْتِقْبَالِهَا فَانْحَرَفَ عَنْهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>