للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَقَدِّرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ وَهِيَ رَكْعَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْأَحَادِيثُ بِهَا مَذْكُورَةٌ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ اللَّيْلِ حَثَّتْ السَّنَةُ الشَّرِيفَةُ عَلَيْهَا كَثِيرًا وَأَفَادَتْ أَنْ لِفَاعِلِهَا أَجْرًا كَبِيرًا فَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ وَقُرْبَةٌ إلَى رَبِّكُمْ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَا بُدَّ مِنْ صَلَاةٍ بِلَيْلٍ وَلَوْ حَلْبَ شَاةٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ» اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ تَحْصُلُ بِالتَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَبْلَ النَّوْمِ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي صَلَاةِ التَّهَجُّدِ أَهِيَ سُنَّةٌ فِي حَقِّنَا أَمْ تَطَوُّعٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ وَأَوْسَعُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ إحْيَاءُ لَيَالِي الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَلَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مُفَصَّلَةً وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ اللَّيْلِ قِيَامُهُ وَظَاهِرُهُ الِاسْتِيعَابُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ غَالِبُهُ وَيُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَةٍ مِنْ هَذِهِ اللَّيَالِي فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يُصَلَّى تَطَوُّعٌ بِجَمَاعَةٍ غَيْرَ التَّرَاوِيحِ وَمَا رُوِيَ مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي الْأَوْقَاتِ الشَّرِيفَةِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَيْلَتَيْ الْعِيدِ وَعَرَفَةَ وَالْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا تُصَلَّى فُرَادَى انْتَهَى وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ كَرَاهَةَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي رَجَبٍ

ــ

[منحة الخالق]

الشِّرْعَةِ مَنْ هَمَّ بِأَمْرٍ وَكَانَ لَا يَدْرِي عَاقِبَتَهُ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّ الْخَيْرَ فِي تَرْكِهِ أَوْ الْإِقْدَامَ عَلَيْهِ فَقَدْ «أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: ١] وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَاتِحَةَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] فَإِذَا فَرَغَ قَالَ اللَّهُمَّ» إلَخْ ثُمَّ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ يَنَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَمُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ قِرَاءَةِ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ بَيَاضًا أَوْ خُضْرَةً فَذَلِكَ الْأَمْرُ خَيْرٌ وَإِنْ رَأَى فِيهِ سَوَادًا أَوْ حُمْرَةً فَهُوَ شَرٌّ يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ عَنْهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَنْدُوبَاتِ صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ ذَكَرَهَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمُلْتَقَطِ وَخِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى وَفِي الْحَاوِي وَشَرْحِ الْمُنْيَةِ أَمَّا فِي الْحَاوِي فَذَكَرَ أَنَّهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً وَبَيَّنَ كَيْفِيَّتَهَا بِمَا فِيهِ كَلَامٌ وَأَمَّا فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ فَذَكَرَ أَنَّهَا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَأَنَّ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَفِي الثَّانِيَةِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّةً وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: ١] مَرَّةً {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: ١] مَرَّةً وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١] مَرَّةً وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ كَذَلِكَ كُنَّ لَهُ مِثْلُهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ مَشَايِخُنَا صَلَّيْنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَقُضِيَتْ حَوَائِجُنَا مَذْكُورٌ فِي الْمُلْتَقَطِ وَالتَّجْنِيسِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْفَتَاوَى كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَأَمَّا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ فَذَكَرَ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَتْ لَهُ إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْتَهُ وَلَا حَاجَةَ هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ» اهـ.

(قَوْلُهُ وَقَدْ تَرَدَّدَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) حَيْثُ قَالَ بَقِيَ أَنَّ صِفَةَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي حَقِّنَا السُّنَّةُ أَوْ الِاسْتِحْبَابُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صِفَتِهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَتْ فَرْضًا فِي حَقِّهِ فَهِيَ مَنْدُوبَةٌ فِي حَقِّنَا لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْقَوْلِيَّةَ فِيهَا إنَّمَا تُفِيدُ النَّدْبَ وَالْمُوَاظَبَةَ الْفِعْلِيَّةَ لَيْسَتْ عَلَى تَطَوُّعٍ لِتَكُونَ سُنَّةً فِي حَقِّنَا وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَسُنَّةٌ لَنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَدِلَّةَ لِلْفَرِيقَيْنِ وَاَلَّذِي حَطَّ عَلَيْهِ كَلَامَهُ أَنَّ الْفَرْضِيَّةَ مَنْسُوخَةٌ كَمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ (قَوْلُهُ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزْنَوِيُّ صَلَاةَ الرَّغَائِبِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ بِسِتِّ تَسْلِيمَاتٍ وَصَلَاةَ الِاسْتِفْتَاحِ عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي النِّصْفِ مِنْ رَجَبٍ بِهِ صَلَاةَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِخَمْسِينَ تَسْلِيمَةً وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>