للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّعَامِ يَنْفِي الْفَقْرَ وَبَعْدَهُ يَنْفِي اللَّمَمَ لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ تَقْيِيدَ الِاسْتِحْبَابِ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ، وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَامْرَأَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى ذَكَرٍ أَيْ مَسُّ بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَوْ لَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ مُطْلَقًا كَانَ بِشَهْوَةٍ وَقَصْدٍ أَوْ لَا وَلَهُ فِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا النَّقْضُ إلَّا إذَا لَمَسَ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ أَوْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْعَجُوزِ فَالصَّحِيحُ النَّقْضُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ اخْتِلَافٌ مُعْتَبَرٌ حَتَّى قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَؤُمُّ أَنْ يَحْتَاطَ فِيهِ فَمَذْهَبُ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ كَمَذْهَبِنَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] ، فَإِنَّ اللَّمْسَ يُطْلَقُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ قَالَ تَعَالَى {فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ} [الأنعام: ٧] وَبِقَوْلِ أَهْلِ اللُّغَةِ اللَّمْسُ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْجِمَاعِ فَنَعْمَلُ بِمُقْتَضَى اللَّمْسِ مُطْلَقًا فَمَتَى الْتَقَتْ الْبَشَرَتَانِ انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدٍ أَوْ جِمَاعٍ وَلِأَئِمَّتِنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا مَا ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ كَفَخْرِ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ حَقِيقَةَ اللَّمْسِ يَكُونُ بِالْيَدِ وَأَنَّ الْجِمَاعَ مَجَازٌ فِيهِ لَكِنَّ الْمَجَازَ مُرَادٌ بِالْإِجْمَاعِ حَتَّى حَلَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمُ بِالْآيَةِ فَبَطَلَتْ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ ثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ اللَّمْسَ إذَا قُرِنَ بِالْمَرْأَةِ كَانَ حَقِيقَةً فِي الْجِمَاعِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ اللَّمْسِ وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا وَعِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ اللَّمْسُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ

ثَالِثُهَا أَنَّ اللَّمْسَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اللَّمْسِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ وَرَجَّحْنَا الْحَمْلَ عَلَى الْجِمَاعِ بِالْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَفَاضَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ بِقَوْلِهِ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: ٦] إلَى قَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] فَبَيَّنَ أَنَّهُ الْغُسْلُ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الْحَالِ عِنْدَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [النساء: ٤٣] إلَى قَوْلِهِ {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: ٤٣] إلَخْ فَإِذَا حُمِلَتْ الْآيَةُ عَلَى الْجِمَاعِ كَانَ بَيَانًا لِحُكْمِ الْحَدَثَيْنِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَمَا بُيِّنَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ وُجُودِهِ فَيَتِمُّ الْغَرَضُ؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى بَيَانِهِمَا خِلَافَ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ بِالْيَدِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ تَكْرَارًا مَحْضًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ بِقَوْلِهِ {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الصَّحِيحُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَالَتْ فَقَدْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْته فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُودُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَالْتَمَسْت بِيَدَيَّ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ، وَهُوَ سَاجِدٌ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَتَقْبِضُهَا» وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ «فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ» وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فَوْقَ حَائِلٍ بَعِيدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[أَحْكَام الْغُسْل]

[فَرَائِض الْغُسْل]

(قَوْلُهُ: وَفَرْضُ الْغُسْلِ غَسْلُ فَمِهِ وَأَنْفَهُ وَبَدَنِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى الْغُسْلِ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَفَرْضُ إمَّا لِلِاسْتِئْنَافِ أَوْ لِلْعَطْفِ عَلَى قَوْلِهِ فَرْضُ الْوُضُوءِ وَالْفَرْضُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ وَالْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَقَوْلُهُ الْغُسْلُ يَعْنِي غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ فِي الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ حَتَّى يَصِحَّ بِدُونِهِمَا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا فِي الْبَدَائِعِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ وَتَلَوَّثَتْ يَدُهُ لَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ إنَّ الْحَدِيثَ أَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» مَحْمُولٌ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْأَحْجَارِ دُونَ الْمَاءِ فَإِذَا مَسُّوهُ بِأَيْدِيهِمْ كَانَتْ تَتَلَوَّثُ خُصُوصًا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ فَأُمِرُوا بِالْغُسْلِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ إطْلَاقَ السَّرَخْسِيِّ أَوْلَى عَمَلًا بِعُمُومِ مَنْ اهـ.

وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الْغُسْلَ عِنْدَ التَّلَوُّثِ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ لَا مُسْتَحَبٌّ فَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ مُطْلَقًا كَمَا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ بُسْرَةَ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ مَسِسْت ذَكَرِي وَمَعِي الْمُصْحَفُ فَقَالَ لِي أَبِي تَوَضَّأْ، ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ: قَالَ فَقَالَ: لِي أَبِي قُمْ فَاغْسِلْ يَدَك اهـ.

وَلَعَلَّ حِكْمَةَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ كَوْنُ ذَلِكَ مَحَلُّ خُرُوجِ النَّجَاسَةِ فَرُبَّمَا تَكُونُ فِي الْيَدِ أَوْ الْمَحَلِّ رُطُوبَةٌ سِيَّمَا عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِلتَّلَوُّثِ أَوْ هُوَ تَعَبُّدِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ فِي الْغَسْلِ الْمَسْنُونِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الْغَزِّيِّ فِي الْمِنَحِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ فِي الِاغْتِسَالِ الْمَسْنُونِ فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِشَرْطٍ فِي تَحْصِيلِ السُّنَّةِ فَمَمْنُوعٌ وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ السِّرَاجِ الْأَوَّلُ وَلَا كَلَامَ فِيهِ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>