للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنُ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ إنَّمَا أَرَادَ كِلْتَاهُمَا عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ أَوْ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَلَا يُعِيدُ وَفِيهِ نَفْيٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَكْرَارَ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى هَيْئَتِهِ الْأَوْلَى فَمَكْرُوهٌ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْفَرْضِ فَمَكْرُوهٌ كَمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِخَلَلٍ فِي الْمُؤَدَّى فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إمَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ بِارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ فَغَيْرُ مَكْرُوهٍ بَلْ وَاجِبٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَالَ إنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ غَيْرَ مُحَقَّقٍ بَلْ نَشَأَ عَنْ وَسْوَسَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِي مَآلِ الْفَتَاوَى وَلَوْ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا مُتَدَارِكًا لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ فَسَادَ مَا صَلَّى لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَمَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَضَى صَلَاةَ عُمُرِهِ فَإِنْ صَحَّ النَّقْلُ فَنَقُولُ كَانَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْوِتْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِثَلَاثِ قَعَدَاتٍ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا صَلَّى الْفَجْرَ ضُحَى النَّهَارِ بَعْدَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ قَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ مِنْ الْغَدِ أَلَا نُعِيدُ صَلَاةَ الْأَمْسِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ عَنْ الرِّبَا أَفَيَقْبَلُهُ مِنْكُمْ» كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ ذِكْرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُخْتَصَرِ لَفْظَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ عُمُومَهُ لَيْسَ بِمُرَادٍ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.

(قَوْلُهُ وَيَتَنَفَّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ ابْتِدَاءً وَبِنَاءً) بَيَانٌ أَيْضًا لِمَا خَالَفَ فِيهِ النَّفَلُ الْفَرَائِضَ وَالْوَاجِبَاتِ وَهُوَ جَوَازُهُ بِالْقُعُودِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمُتْ حَتَّى كَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ جَالِسٌ» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ» وَقَدْ ذَكَرَ الْجُمْهُورُ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ فَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ قَائِمًا وَأَمَّا الْفَرْضُ فَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَيَأْثَمُ وَيَكْفُرُ إنْ اسْتَحَلَّهُ وَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ أَوْ مُضْطَجِعًا لِعَجْزِهِ فَثَوَابُهُ كَثَوَابِهِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ الْأَكْمَلُ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ «وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا أَيْ مُضْطَجِعًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ إذْ لَا يَصِحُّ مُضْجِعًا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِشُذُوذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي النِّهَايَةِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ بِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ مُسَاوِيَةٌ لِصَلَاةِ الْقَائِمِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْأَجْرِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ مُحَقَّقًا إلَخْ) يُفِيدُ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْفَرِيضَةَ مُنْفَرِدًا بِلَا عُذْرٍ أَنَّهُ لَهُ إعَادَتُهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ لِارْتِكَابِ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي مِنْ التَّفْصِيلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَكْعَةً فَأُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَقْتَدِي إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي إلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَاكَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا مَعَ الْعُذْرِ الْمُسَوِّغِ لِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ (قَوْلُهُ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعِنَايَةِ بِقَوْلِهِ وَذِكْرُ الْمُصَنِّفُ لِهَذَا بَعْدَ إفَادَةِ أَنَّ الْقِرَاءَةَ وَاجِبَةٌ فِي جَمِيعِ النَّفْلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الثَّمَانِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.

[التَّنَفُّلُ قَاعِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ]

(قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا صَلَّاهُ مَعَ عَجْزِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ «إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» (قَوْلُهُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَا نَعْلَمُ الصَّلَاةَ نَائِمًا تَسُوغُ إلَّا فِي الْفَرْضِ حَالَةَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُعُودِ وَهَذَا حِينَئِذٍ يُعَكِّرُ عَلَى حَمْلِهِمْ الْحَدِيثَ عَلَى النَّفْلِ وَعَلَى كَوْنِهِ فِي الْفَرْضِ لَا يَسْقُطُ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ شَيْءٌ وَالْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ أَيْ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ إنَّمَا يُفِيدُ كِتَابَةَ مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ مُقِيمًا صَحِيحًا وَإِنَّمَا عَاقَهُ الْمَرَضُ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ احْتِسَابَ مَا صَلَّى قَاعِدًا بِالصَّلَاةِ قَائِمًا لِجَوَازِ احْتِسَابِهِ نِصْفًا ثُمَّ يُكْمِلُ لَهُ كُلَّ عَمَلِهِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ فَضْلًا وَإِلَّا فَالْمُعَارَضَةُ قَائِمَةٌ لَا تَزُولُ إلَّا بِتَجْوِيزِ النَّافِلَةِ قَائِمًا وَلَا أَعْلَمُهُ فِي فِقْهِنَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا النَّظَرُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ الْحَدِيثِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ كَلِمَةُ مَنْ فَإِنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُصَلٍّ الثَّانِي قَوْلُهُ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهَذَا الْوَجْهِ مِنْ الَّذِينَ قَبْلَهُ يَبْعُدُ حَمْلُهُ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْأَوْلَى الْمَصِيرُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ احْتِمَالِ صَلَاتِهِ نِصْفًا وَإِكْمَالِهَا لَهُ فَضْلًا وَفِي الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] الْآيَةَ

فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُفَضَّلِينَ دَرَجَةً وَاحِدَةً وَمُفَضَّلِينَ دَرَجَاتٍ فَمَنْ هُمْ قُلْت أَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَةً وَاحِدَةً فَهُمْ الَّذِي فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الْأُخَرَاءِ وَأَمَّا الْمُفَضَّلُونَ دَرَجَاتٍ فَاَلَّذِينَ فُضِّلُوا عَلَى الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ أُذِنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ اكْتِفَاءً بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْغَزْوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ اهـ.

قُلْت: فَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَامِلَ أَفْضَلُ مِنْ التَّارِكِ لِعُذْرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>