للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ لَهَا فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وَكَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا لِلْجَمَاعَةِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِذَا تَعَارَضَا عُمِلَ بِهَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ أَحْرَزَ أَحَقَّهُمَا وَهُوَ الْجَمَاعَةُ لِوُرُودِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فِي الْجَمَاعَاتِ وَالسُّنَّةُ وَإِنْ وَرَدَ الْوَعْدُ فِيهَا لَمْ يُرِدْ الْوَعِيدَ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ لِأَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ ذَاتِيَّةٌ وَالسُّنَّةُ مُكَمِّلَةٌ خَارِجِيَّةٌ وَالذَّاتِيَّةُ أَقْوَى وَشَمَلَ كَلَامُهُ مَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ حَيْثُ قَالَ إنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالسُّنَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَرَجَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ فَكَأَنَّ الْكُلَّ قَدْ فَاتَهُ فَيُقَدِّمُ الْجَمَاعَةَ وَنَقَلَ فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ لِأَنَّ إدْرَاكَ الْقَعْدَةِ عِنْدَهُمَا كَإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي الْجُمُعَةِ خِلَافًا لَهُ وَقَدْ جَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِسُنَّةِ الْفَجْرِ حُكْمَيْنِ أَمَّا الْفِعْلُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفَوْتِ الْفَجْرِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ أَيُتِمُّ

وَأَمَّا التَّرْكُ إنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْتَتِحَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ثُمَّ يَقْطَعُهُمَا وَيَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى تَلْزَمَهُ بِالشُّرُوعِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ مَا وَجَبَ بِالشُّرُوعِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِمَّا وَجَبَ بِالنَّذْرِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ لَا تُؤَدَّى بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثَانِيهمَا مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْمَشَايِخَ نَكِرُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقْطَعَ وَلَا يُتِمُّ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ ثُمَّ إنَّ هُنَا قَيْدًا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ فِي قَوْلِهِ وَإِلَّا لَا وَهُوَ أَنْ يَجِدَ مَكَانًا عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ يُصَلِّي السُّنَّةَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ السُّنَّةَ لِأَنَّ تَرْكَ الْمَكْرُوهِ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِ السُّنَّةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ صَلَّاهُمَا فِي الْمَسْجِدِ الْخَارِجِ وَالْإِمَامُ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الدَّاخِلِ قِيلَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُخَالَفَةِ لِلْقَوْمِ لِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ حَقِيقَةً وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُصَلِّي نَافِلَةً أَوْ سُنَّةً لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ وَقْتَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا فِي الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ إقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ فَفِي الْبَدَائِعِ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لَهُ التَّطَوُّعُ سَوَاءٌ كَانَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ أَوْ غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِأَنَّهُ لَا يَرَى صَلَاةَ

ــ

[منحة الخالق]

فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ اهـ.

لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الشَّامِلِ لَوْ قَيَّدَ الثَّانِيَةَ بِالسَّجْدَةِ أَتَمَّهَا وَخَرَجَ لِأَنَّهُ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْمُكْثُ مَعَهُمْ بِلَا صَلَاةٍ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ.

[خَافَ فَوْتَ الْفَجْرِ إنْ أَدَّى سُنَّتَهُ]

(قَوْلُهُ وَكَذَا لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ لَهَا فَضْلٌ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ) كَذَا ذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعَزَاهُ إلَى التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ أَنَّ كَلَامَهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ يَرْجُو إدْرَاكَهُ فِي التَّشَهُّدِ تَخْرِيجٌ عَلَى رَأْيٍ ضَعِيفٍ لَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ اهـ.

أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَتْنِ فَبَيَانُهُ لِذَلِكَ ثُمَّ بَيَانُهُ مَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا لَوْمَ عَلَيْهِ بِهِ بَلْ قَوْلُهُ قَبْلَ هَذَا وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ يُشْعِرُ بِاخْتِيَارِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا عِنْدَهُمَا إلَخْ) قَالَ فِي الشرنبلالية الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي أَنَّهُ يَأْتِي بِالسُّنَّةِ إذَا كَانَ يُدْرِكُهُ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ فِيمَا بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَشَيْخَيْهِ وَلَا يَتَقَيَّدُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ وَتَفْرِيعُ الْخِلَافِ هُنَا عَلَى خِلَافِهِمْ فِي مُدْرِكِ تَشَهُّدِ الْجُمُعَةِ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى إدْرَاكِ فَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِإِدْرَاكِ التَّشَهُّدِ بِالِاتِّفَاقِ نَصَّ عَلَى الِاتِّفَاقِ الْكَمَالُ لَا كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْ فَضْلَهَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِقَوْلِهِ فِي مُدْرِكِ أَقَلِّ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ حَتَّى يَبْنِيَ عَلَيْهَا الظُّهْرَ بَلْ قَوْلُهُ هُنَا كَقَوْلِهِمَا مِنْ أَنَّهُ يُحْرِزُ ثَوَابَهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ احْتِيَاطًا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُهَا وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الظُّهْرَ جَمَاعَةً فَأَدْرَكَ رَكْعَةً لَا يَحْنَثُ وَإِنْ أَدْرَكَ فَضْلَهَا نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ

قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا قِيلَ فِيمَنْ يَرْجُو إدْرَاكَ التَّشَهُّدِ فِي الْفَجْرِ لَوْ اشْتَغَلَ بِرَكْعَتَيْهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَيَتْرُكُ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ عَلَى قَوْلِهِ فَالْحَقُّ خِلَافُهُ لِنَصِّ مُحَمَّدٍ هُنَا عَلَى مَا يُنَاقِضُهُ اهـ.

هَذَا كَلَامُ الشرنبلالية وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لِلْمُحَقِّقِ الْكَمَالِ فِي ذَلِكَ وَالْوَجْهُ مَعَهُ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ كَلَامَ الْكَمَالِ وَأَقَرَّهُ وَكَذَا الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ النَّظْمِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمِنَحِ فَلْيُتَأَمَّلْ مَعَ مَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَقُولُ: إنْ أَرَادَ الْفَقِيهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَالتَّزْيِيفُ مُوَجَّهٌ وَإِنْ أَرَادَ بَعْدَهُ فَلَا وَالْقَصْدُ لِلْقَطْعِ نَقْضٌ لِلْإِكْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ.

وَفِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ إذْ لَا إكْمَالَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تُؤَدَّى بِالْجَمَاعَةِ أَلَا تَرَى إلَى مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِكْمَالِ وَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ لِيُؤَدِّيَهَا مَرَّةً أُخْرَى وَجَوَابُهُ أَنَّ إبْطَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>