للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَوَاجِبٍ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى مِنْ أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي تَرْكِهِ عَمْدًا إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَدِيعِيُّ إذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى عَمْدًا أَوْ شَكَّ فِي بَعْضِ أَفْعَالِ صَلَاتِهِ فَتَفَكَّرَ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ رُكْنٍ قُلْت لَهُ كَيْفَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ بِالْعَمْدِ قَالَ ذَلِكَ سُجُودُ الْعُذْرِ لَا سُجُودُ السَّهْوِ اهـ.

وَمَا فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ النَّاطِفِيِّ لَا يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الْعَمْدِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ تَأْخِيرُ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى اهـ.

فَتَحْصُلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعَ مُشْكِلٌ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ الثَّلَاثَةِ أَدْنَى الْوَاجِبَاتِ فَصَلَحَ أَنْ يَجْبُرَهَا سُجُودُ السَّهْوِ حَالَةَ الْعَمْدِ أَمَّا الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَلِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا بَلْ قَدْ أَطْلَقَ أَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَيْهَا اسْمَ السُّنَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي الْوُجُوبِ (قَوْلُهُ يَجِبُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَتَانِ بِتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ) بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الْأَوَّلِ وُجُوبُ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ شُرِعَ لِرَفْعِ نَقْصٍ تَمَكَّنَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعُ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَصَحَّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا الْوُجُوبُ لِأَنَّهَا تَجِبُ لِجَبْرِ نُقْصَانٍ تَمَكَّنَ فِي الْعِبَادَةِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً كَالدِّمَاءِ فِي الْحَجِّ وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ عَلَى ذَلِكَ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ إنَّمَا جُبِرَ النُّقْصَانُ فِي بَابِ الْحَجِّ بِالدَّمِ وَفِي بَابِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْجَبْرَ مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ وَلِلْمَالِ مَدْخَلٌ فِي بَابِ الْحَجِّ فَيُجْبَرُ نُقْصَانُهُ بِالدَّمِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْمَالِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فَيُجْبَرُ النُّقْصَانُ بِالسَّجْدَةِ. اهـ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَلِتَرْكِ سُجُودِ السَّهْوِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُجُوبَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ وَكَذَا فِي الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُهَا وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يَسْقُطُ السَّهْوُ.

الثَّانِي مَحَلُّهُ الْمَسْنُونُ بَعْدَ السَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ السَّهْوُ بِإِدْخَالِ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ نُقْصَانٍ مِنْهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَهُ فِيهِمَا وَعِنْدَ مَالِكٍ قَبْلَهُ فِي النُّقْصَانِ وَبَعْدَهُ فِي الزِّيَادَةِ وَأَلْزَمَهُ أَبُو يُوسُفَ فِيمَا إذَا كَانَ عَنْهُمَا فَتَحَيَّرَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ وَصَحَّ أَنَّهُ سَجَدَ بَعْدَهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ فَرَجَعْنَا إلَى قَوْلِهِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنَّ الْأَدَاءَ يُقَالُ عَلَى النَّفْلِ أَيْضًا وَقَدْ أَفْصَحَ عَنْ ذَلِكَ فِي الدِّرَايَةِ فَقَالَ لَمَّا ذَكَرَ الْفَرَائِضَ أَتْبَعَهَا النَّوَافِلَ لِأَنَّهَا مِنْ الْأَدَاءِ (قَوْلُهُ فَتَحْصُلُ أَنَّهَا ثَلَاثَةُ مَوَاضِعُ) زَادَ فِي النَّهْرِ عَنْ أَلْغَازِ ابْنِ الشِّحْنَةِ رَابِعَةً وَهِيَ مَا إذَا صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى قَالَ الرَّمْلِيُّ وَذَكَرَ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ فِي كِتَابِهِ بُغْيَةِ الْمُنْيَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فَتَكُونُ خَمْسًا (قَوْلُهُ مُشْكِلٌ) خَبَرُ مَا فِي قَوْلِهِ فَمَا فِي الْمُجْتَبَى إلَخْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُمْ نَظَرُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ مَا لَا يَخْفَى اهـ.

أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَدْفَعُ أَصْلَ الْإِشْكَالِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَظَرُهُمْ إلَى ذَلِكَ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَفِيمَا لَوْ تَرَكَ الطُّمَأْنِينَةَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ سُنَّةٌ عِنْدَ الْأُسْرُوشَنِيِّ

وَكَذَا الثَّانِي عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ هَذَا وَفِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَوْلُهُ إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا يَجِبُ سَجْدَةٌ أَقُولُ: أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ عَمْدًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ اهـ.

وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ مَا صُورَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ النَّاطِفِيِّ فِي الْعَمْدِ وَقَوْلُ الْبَدِيعِ أَنَّ هَذَا سُجُودُ الْعُذْرِ فَمِمَّا لَمْ نَعْلَمْ لَهُ أَصْلًا فِي الرِّوَايَةِ وَلَا وَجْهًا فِي الدِّرَايَةِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ أَوْ بِتَغْيِيرِهِ عَمْدًا لِأَنَّ السَّجْدَةَ شُرِعَتْ جَابِرَةً نَظَرًا لِلْمَعْذُورِ لَا لِلْمُتَعَمِّدِ وَلَمَّا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ تَرْكُ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ أَوْ تَغْيِيرُهُ سَاهِيًا وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ لِلْفَتْوَى وَالْعَمَلِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ إنَّمَا يَأْثَمُ لِتَرْكِ الْجَابِرِ فَقَطْ إذْ لَا إثْمَ عَلَى السَّاهِي نَعَمْ هُوَ فِي صُورَةِ الْعَمْدِ ظَاهِرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ هَذَا الْإِثْمُ بِإِعَادَتِهَا

(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا سَهَا فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ إلَخْ) أَيْ فِي قَضَائِهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَتَقْيِيدُهُ بِالْفَائِتَةِ مُخْرِجٌ لِمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ الْوَقْتِيَّةَ فَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى احْمَرَّتْ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ مت بِرَمْزِ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ التُّرْكُمَانِيِّ صَلَّى الْعَصْرَ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَاصْفَرَّتْ الشَّمْسُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ اهـ.

لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ فَالظَّاهِرُ حَمْلُ الْعَصْرِ فِي كَلَامِ الْقُنْيَةِ عَلَى الْقَضَاءِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ وَقْتَ الِاحْمِرَارِ لَيْسَ وَقْتًا لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْتِيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْشَاؤُهَا فِيهِ فَإِيقَاعُ السُّجُودِ فِيهِ يَصِحُّ بِالْأَوْلَى تَأَمَّلْ.

[مَحَلُّ سُجُود السَّهْو]

(قَوْلُهُ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ إلَخْ) أَقُولُ: دَعْوَى التَّعَارُضِ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى رِوَايَةٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا يَأْتِي وَإِلَّا فَعَلَى الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ لَا تَعَارُضَ إذْ يُحْمَلُ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ ثُمَّ يُرَجِّحُ أَحَدُهُمَا بِالرِّوَايَةِ الْقَوْلِيَّةِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>