للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُعُودِ الْأَخِيرِ قَدْ ارْتَفَعَا بِالسُّجُودِ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْفَعْ السُّجُودُ الْقُعُودَ لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ السُّجُودِ لِفَرْضِيَّتِهِ وَلِذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ لَوْ سَجَدَهُمَا وَلَمْ يَقْعُدْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْقُعُودَ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ فِي السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لَوْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ قُعُودِهِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّ الْقُعُودَ قَدْ ارْتُفِضَ فَيَقْعُدُ لِلْفَرْضِ لِأَنَّ السَّجْدَةَ الصُّلْبِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْقَعْدَةِ وَفِيمَا إذَا تَذَكَّرَ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَسَجَدَهَا رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا كَالصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ رُكْنٌ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا وَعَلَيْهِ تَفْرِيعُ مَا فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي مَكَانِهِ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَيَسْجُدُ وَيَقْعُدُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَصَلَاةُ الْقَوْمِ تَامَّةٌ لِأَنَّ ارْتِفَاضَ الْقَعْدَةِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ ثَبَتَ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْمُتَابَعَةِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَعْدَتَيْنِ وَالْأَدْعِيَةِ لِلِاخْتِلَافِ فَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَأْتِي بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فِي قَعْدَةِ السَّهْوِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مَوْضِعُهُ آخِرُ الصَّلَاةِ وَنِسْبَةُ الْأَوَّلِ إلَى عَامَّةِ الْمَشَايِخِ بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ

وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ اخْتِيَارُ عَامَّةِ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِيهِمَا وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ وَظَهِيرُ الدِّينِ أَنَّهُ الْأَحْوَطُ وَجَزَمَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فِي الصَّلَاةِ وَنَقَلَ الِاخْتِلَافَ فِي الدُّعَاءِ وَقِيلَ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا فِي الْأَوَّلِ فَقَطْ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ مَعْزِيًّا إلَى الْمُفِيدِ لِأَنَّهَا لِلْخَتْمِ.

الرَّابِعُ سَبَبُهُ تَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتٍ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ سَهْوًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ لَا كُلِّ وَاجِبٍ بِدَلِيلِ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ السُّوَرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ كَوْنِهِ وَاجِبًا وَهُوَ أَجْمَعُ مَا قِيلَ فِيهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرُ الْكُتُبِ وَمَا فِي الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ تَرَكَ فِعْلًا مَسْنُونًا أَرَادَ بِهِ فِعْلًا وَاجِبًا ثَبَتَ وُجُوبُهُ بِالسُّنَّةِ وَقَدْ عَدَّهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَاجِبًا الْأَوَّلُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ تَرَكَهَا فِي إحْدَى الْأُولَيَيْنِ أَوْ أَكْثَرِهَا وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِنْ تَرَكَ أَقَلَّهَا لَا يَجِبُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَسَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا تَرَكَ مِنْ الْفَاتِحَةِ آيَةً وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْآخِرَيْنِ لَا يَجِبُ إنْ كَانَ فِي الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْلِ أَوْ الْوِتْرِ وَجَبَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِهَا فِي الْكُلِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا فِي الْأُولَيَيْنِ لَا يَقْضِيهَا فِي الْآخِرَيْنِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَبَيَّنَّا الْفَرْقَ.

الثَّانِي ضَمُّ سُورَةٍ إلَى الْفَاتِحَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ فَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مَعَ الْفَاتِحَةِ أَوْ قَرَأَ آيَةً قَصِيرَةً لَزِمَهُ السُّجُودُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمَّ إلَى الْفَاتِحَةِ آيَتَيْنِ قَصِيرَتَيْنِ وَتَرَكَ آيَةً فَإِنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ كَمَا قَالُوا فِي الْفَاتِحَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي رُكْنِيَّتِهَا لَكِنَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَآيَتَيْنِ فَخَرَّ رَاكِعًا سَاهِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَعَادَ وَأَتَمَّ ثَلَاثَ آيَاتٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فَذَكَرَهَا قَبْلَ السُّجُودِ عَادَ وَقَرَأَهَا وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَذَكَرَهَا قَبْلَ السُّجُودِ قَرَأَهَا وَيُعِيدُ السُّورَةَ لِأَنَّهَا تَقَعُ فَرْضًا بِالْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَذَكَّرَ الْقُنُوتَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ وَمَتَى عَادَ فِي الْكُلِّ فَإِنَّهُ يُعِيدُ رُكُوعَهُ لِارْتِفَاضِهِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيمَا إذَا عَادَ أَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْقِرَاءَةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي ذِكْرِ الْوَاجِبَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى السُّورَةِ وَأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَ السُّورَةَ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَكَذَا لَوْ بَدَأَ بِالسُّورَةِ ثُمَّ تَذَكَّرَ يَبْدَأُ بِالْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ حَرْفًا كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنْ يَكُونَ مِقْدَارُ مَا يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ لِتَأْخِيرِ السُّورَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ) أَيْ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِذَا قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ لَيْسَ بِرُكْنٍ أَصْلِيٍّ بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ لِأَصْلِيَّتِهِ تَأَمَّلْ. اهـ.

وَقَدْ مَرَّ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْقُعُودَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي رُكْنِيَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ رُكْنٌ أَصْلِيٌّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ بِأَصْلِيٍّ.

[سَبَبُ سُجُودُ السَّهْوِ]

(قَوْلُهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيَّةِ) يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا سَيَأْتِي عَنْ الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ التِّلَاوِيَّةِ عَنْ مَوْضِعِهَا عَلَيْهِ السَّهْوُ وَأَمَّا مَا يَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ فَسَيَأْتِي جَزْمُ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّهُ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أَثَرُ الْقِرَاءَةِ أَخَذَتْ حُكْمَهَا كَمَا مَرَّ فِي وَجْهٍ رَفْعهَا الْقَعْدَةَ كَالصُّلْبِيَّةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُجْتَبَى إذَا تَرَكَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْأَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي وَحَكَاهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إذَا قَرَأَ أَكْثَرَهَا لَا يَجِبُ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَأْتِي عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ الْآتِيَة قَرِيبًا.

(قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ ضَمَّ إلَخْ) دَفَعَهُ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) أَيَّدَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى التَّشَهُّدِ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى الْمُوجِبَةِ لِسُجُودِ السَّهْوِ بِسَبَبِ تَأْخِيرِ الْقِيَامِ عَنْ مَحَلِّهِ مُقَدَّرَةٌ بِمِقْدَارِ أَدَاءِ رُكْنٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَتُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>