للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُ التَّشَهُّدِ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ السُّجُودَ إلَّا فِي الْأَوَّلِ أَمَّا فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ يَقْرَأُ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ فَإِنْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ شَيْءٍ يَقْطَعُ الْبِنَاءَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إيجَابُ السُّجُودِ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالتَّذَكُّرِ بِهِ فَلَمَّا قَرَأَ بَعْضَهُ سَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ بِعَوْدِهِ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ ارْتُفِضَ قُعُودُهُ فَإِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهِ فَقَدْ سَلَّمَ قَبْلَ قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ قُعُودَهُ مَا ارْتُفِضَ أَصْلًا لِأَنَّ مَحَلَّ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ الْقَعْدَةُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى رَفْضِهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَمْ يَقْرَأْهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَهُ وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ وَلَمْ يَفْعَلْهُ صَارَ كَأَنَّهُ تَرَكَهُ عَمْدًا فَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ وَإِنَّمَا يَكُونُ مُسِيئًا وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ لَتَحَقَّقَ وُجُوبُهُ بِتَرْكِهِ وَعَلَى هَذَا تَصِيرُ كُلِّيَّةَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا سَهْوًا وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ بَعْدَ تَذَكُّرِهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ كَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَفِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ ذَكَرَ التَّشَهُّدَ يَحْتَمِلُ الْقَعْدَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَفِيهَا سَجْدَةٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِالْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّهَا فَرْضٌ لَا وَاجِبٌ فَأَجَابَ فِي الْمِعْرَاجِ بِأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُهَا إذْ التَّخْصِيصُ شَائِعٌ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ لَهَا سَابِقًا أَنَّهَا فَرْضٌ وَمَا أَجَابَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ حَمْلِ التَّرْكِ فِيهَا عَلَى تَأْخِيرِهَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ حَقِيقَةَ التَّرْكِ فِي غَيْرِهَا فَلَوْ أَرَادَ التَّأْخِيرَ فِيهَا لَزِمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ حِينَئِذٍ الْفَرْضَ فِيهَا وَالْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ جَمْعٌ كَذَلِكَ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَرَدَّهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ اجْتِمَاعُهُمَا مُرَادَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَهُوَ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرَادَةِ بَلْ قَالَ يَحْتَمِلُ هَذَا وَذَاكَ وَلَا فَسَادَ كَاحْتِمَالِ الْقُرْءِ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِدُونِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ لَيْسَ بِأَوْجَهَ لِأَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا لِأَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ وَقَعَ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ.

الثَّامِنُ لَفْظُ السَّلَامِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إيجَابُ السُّجُودِ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ وَإِنْ أَتَى بِمُنَافٍ فَلَا سُجُودَ وَلِهَذَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالسَّهْوُ عَنْ السَّلَامِ يُوجِبُ سُجُودَ السَّهْوِ وَالسَّهْوُ عَنْهُ أَنْ يُطِيلَ الْقَعْدَةَ وَيَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعْلَمُ ذَلِكَ فَيُسَلِّمُ وَيَسْجُدُ لِأَنَّهُ أَخَّرَ وَاجِبًا أَوْ رُكْنًا عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ اهـ.

وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إيجَابُهُ بِتَأْخِيرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْهُ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَهِيَ السَّلَامُ دُونَ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا لَا سَهْوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَرَكَ السُّنَّةَ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا سَلَّمَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَسَهَا عَنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُخْرَى فَمَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ يَأْتِي بِالْأُخْرَى وَإِنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِي مَتَى اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ اهـ.

[ترك قُنُوتُ الْوِتْرِ]

التَّاسِعُ قُنُوتُ الْوِتْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِدُعَاءٍ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ لَوْ رَكَعَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ تَرْكُهُ بِالرُّكُوعِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا كَالْوِتْرِ فَالْوُجُوبُ بِتَرْكِهِ إنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ فَقَطْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَرَأَ الْقُنُوتَ فِي الثَّالِثَةِ وَنَسِيَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْ السُّورَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا فَتَذَكَّرَ بَعْدَمَا رَكَعَ قَامَ وَقَرَأَ وَأَعَادَ الْقُنُوتَ وَالرُّكُوعَ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَى مَحَلِّهِ قَبْلَهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَمَحَلُّهَا فَتَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ أَوْ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ يَنْحَطُّ لَهَا ثَمَّ يَعُودُ إلَى مَا كَانَ فِيهِ فَيُعِيدُهُ اسْتِحْبَابًا اهـ.

وَمِمَّا أَلْحَقَ بِهِ تَكْبِيرُهُ وَجَزَمَ الشَّارِحُ بِوُجُوبِ السُّجُودِ بِتَرْكِهَا وَذَكَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْقُنُوتِ فَإِنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذَا وَقِيلَ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ اعْتِبَارًا بِتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ اهـ.

وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فَإِنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ الْمُوَاظَبَةُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: ٢٨]

[الْإِمَامَ إذَا سَهَا عَنْ التَّكْبِيرَاتِ حَتَّى رَكَعَ]

الْعَاشِرُ تَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إذَا تَرَكَهَا أَوْ نَقَصَ مِنْهَا أَوْ زَادَ عَلَيْهَا أَوْ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ وَذَكَرَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا

ــ

[منحة الخالق]

أَوْ يَحْصُلُ لَهُمْ اشْتِبَاهٌ فَالْأَسْهَلُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّ تَرْكَهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا أَتَى بِمَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَمْتَنِعُ السُّجُودَ عَنْ كُلِّ وَاجِبٍ تُرِكَ لَا أَنَّ امْتِنَاعَهُ لِتَرْكِهِ إيَّاهُ عَمْدًا وَالْكُلِّيَّةُ مَمْنُوعَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَذَكَّرَ فِي رُكُوعِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَلَمْ يُعِدْ مَعَ إمْكَانِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ. اهـ.

أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَنْعِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إمْكَانُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُنَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْعَوْدُ إلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ يَلْزَمُهُ تَأْخِيرُ الرُّكُوعِ تَأَمَّلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>