للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا اخْتَرْنَاهُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ لَكِنْ اسْتَثْنَى الْجُنُبَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الِاسْتِثْنَاءِ وَغَيْرُهُ قَالَ إنَّمَا اسْتَثْنَى الْجُنُبَ؛ لِأَنَّ الْجُنُبَ يَكُونُ عَلَى بَدَنِهِ قَذَرٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ كَانَ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ لِلْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ سَوَاءً وَيَكُونُ طَاهِرًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ.

وَفِي بَقِيَّةِ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ «ثُمَّ أَتَيْته بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ» قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْكِ تَنْشِيفِ الْأَعْضَاءِ وَقَالَ الْإِمَامُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ تَنْشِيفُ الْمَاءِ عَنْ الْأَعْضَاءِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَلَكِنْ هَلْ يُكْرَهُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ رَدُّهُ لِلْمِنْدِيلِ لِشَيْءٍ رَآهُ أَوْ لِاسْتِعْجَالِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ تَوَاضُعًا أَوْ خِلَافًا لِعَادَةِ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ لِيُزِيلَ بَرْدَ الْمَاءِ عَنْ أَعْضَائِهِ اهـ.

وَالْمَنْقُولُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ لِلْمُتَوَضِّئِ وَالْمُغْتَسِلِ إلَّا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ وَيَسْتَقْصِيَ فَيَبْقَى أَثَرُ الْوُضُوءِ عَلَى أَعْضَائِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ إلَّا صَاحِبَ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي فَقَالَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِمِنْدِيلٍ بَعْدَ الْغُسْلِ الْإِشَارَةُ الثَّالِثَةُ أَنَّ جَمِيعَ السُّنَنِ وَالْمَنْدُوبَاتِ فِي الْوُضُوءِ ثَابِتَةٌ فِي هَذَا الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَتُسَنُّ النِّيَّةُ وَيُنْدَبُ التَّلَفُّظُ بِهَا. .

قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، وَأَمَّا آدَابُ الْغُسْلِ فَهِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ مِنْ آدَابِ الْوُضُوءِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَمِنْ مَكْرُوهَاتِهِ الْإِسْرَافُ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ؛ وَلِهَذَا قَدَّرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الصَّاعَ لِلْغُسْلِ، وَالْمُدَّ لِلْوُضُوءِ، وَهُوَ تَقْدِيرُ أَدْنَى الْكِفَايَةِ عَادَةً وَلَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْبَغَ بِدُونِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ زَادَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ طِبَاعَ النَّاسِ وَأَحْوَالَهُمْ تَخْتَلِفُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ التَّقْدِيرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الصَّاعِ فِي الْغُسْلِ بَلْ يَغْتَسِلُ بِأَزْيَدَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْوَسْوَاسِ، فَإِنْ أَدَّى لَا يَسْتَعْمِلُ إلَّا قَدْرَ الْحَاجَةِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يَزِيدُ عَلَى الصَّاعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ مَعَ أَنَّ الثَّابِتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ» وَفِي الْبُخَارِيِّ «اغْتِسَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّاعِ» مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلَ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَقَدْ قَالُوا إنْ مَكَثَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي قَدْرَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلِ فَقَدْ أَكْمَلَ السُّنَّةَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ.

وَيُقَاسُ عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَوْ وَقَفَ فِي الْمَطَرِ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ: وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إنْ بُلَّ أَصْلُهَا) أَيْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَنْقُضَ ضَفِيرَتَهَا إنْ بَلَّتْ فِي الِاغْتِسَالِ أَصْلَ شَعْرِهَا وَالضَّفِيرَةُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الذُّؤَابَةُ مِنْ الضَّفْرِ، وَهُوَ فَتْلُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ وَلَا يُقَالُ بِالظَّاءِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «قَالَتْ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي أَفَأَنْقُضهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ: لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْك الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ» وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِنَحْوِ مَعْنَاهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيصَالِ إلَى الْأُصُولِ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ تَبْلِيغَ الْمَاءِ أُصُولَ الشَّعْرِ لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ إلَى جَنْبِ امْرَأَتِهِ إذَا اغْتَسَلَتْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ إلَّا صَاحِبَ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي إلَخْ) قَالَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ شَارِحُ الْمُنْيَةِ الْحَلَبِيُّ بِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «كَانَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ فِي الْفَضَائِلِ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُدَّعِي التَّنْشِيفُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَالْمَرْوِيُّ فِي الْوُضُوءِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ آدَابَ الْغُسْلِ هِيَ آدَابُ الْوُضُوءِ سِوَى اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ تَأَمَّلْ.

[آدَابُ الْغُسْلِ]

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَا تُنْقَضُ ضَفِيرَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِقَوْلِهِ إنَّ بُلَّ أَصْلُهَا إذْ لَوْ بَنَاهُ لِلْفَاعِلِ لَقَالَ إنْ بَلَّتْ كَذَا فِي الشَّرْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي لِلْمَفْعُولِ نَعَمْ الْأَنْسَبُ كَوْنُ الْفِعْلَيْنِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى وُجُوبِ غَسْلِ أَثْنَائِهَا لَوْ كَانَتْ مَنْقُوضَةً لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ فِي الْمِعْرَاجِ وُجُوبَ النَّقْضِ فِي الْأَتْرَاكِ وَالْعَلَوِيَّةِ وَدَعْوَى الْحَرَجِ فِيهِمَا أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ بَقِيَ أَنَّ بِنَاءَهُ لِلْمَفْعُولِ يُؤْذِنُ بِعَدَمِ وُجُوبِ النَّقْضِ فِيهِمَا أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُهُ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّنْوِينَ بَدَلٌ عَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ ضَفِيرَةُ الْمَرْأَةِ وَحَذَفَهَا اخْتِصَارًا كَمَا فِي الشَّرْحِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ الِاكْتِفَاءُ بِالْوُصُولِ إلَى الْأُصُولِ وَلَوْ مَنْقُوضَةً غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ مَعَ الضَّفْرِ الْوُصُولُ إلَى الْأَثْنَاءِ فَالذَّوَائِبُ أَوْلَى، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا فِي صَلَاةِ الْبَقَّالِيِّ مِنْ تَرْجِيحِ الْوُجُوبِ، وَإِنْ جَاوَزَتْ الْقَدَمَيْنِ اهـ.

وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ وَبِهَذَا عُلِمَ إلَخْ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِيمَاءِ وَتَأَمَّلْ مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ مَعَ الضَّفْرِ إلَخْ، فَإِنَّ الذَّوَائِبَ هِيَ الضَّفَائِرُ وَمَا وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>