للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي الْقُرَى، وَيُعْمَلُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إيَّاكَ وَمَا يَسْبِقُ إلَى الْقُلُوبِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ، فَلَيْسَ كُلُّ سَامِعٍ نُكْرًا تُطِيقُ أَنْ تُسْمِعَهُ عُذْرًا اهـ.

وَإِنَّ الْمَذْهَبَ عَدَمُ صِحَّتِهَا فِي الْقُرَى فَضْلًا عَنْ لُزُومِهَا، وَفِي التَّجْنِيسِ، وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى، وَإِنْ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَعْضِ قُرَى مِصْرٍ مِمَّا لَيْسَ فِيهَا وَالٍ وَقَاضٍ نَازِلَانِ بِهَا بَلْ لَهَا قَاضٍ يُسَمَّى قَاضِي النَّاحِيَةِ، وَهُوَ قَاضِي يُوَلَّى الْكُورَةَ بِأَسْرِهَا فَيَأْتِيَ الْقَرْيَةَ أَحْيَانَا فَيَفْصِلُ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا مِنْ التَّعَلُّقَاتِ وَيَنْصَرِفُ وَوَالٍ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ مِصْرٌ نَظَرًا إلَى أَنَّ لَهَا وَالِيًا أَوَّلًا نُظِرَ إلَى عَدَمِهِمَا بِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ كَوْنِهِمَا مُقِيمِينَ بِهَا وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ قَرْيَةً أَصْلًا إذْ كُلُّ قَرْيَةٍ مَشْمُولَةٌ بِحُكْمٍ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَرْيَةٍ لَا يَأْتِيهَا حَاكِمٌ يَفْصِلُ بِهَا الْخُصُومَاتِ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَى دُخُولِ الْمِصْرِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ يَفْصِلُهَا، وَبَيْنَ مَا يَأْتِيهَا فَيَفْصِلُ فِيهَا وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْإِنْسَانِ ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا بَعْدَ الْجَمْعِيَّةِ وَيَنْوِيَ بِهَا آخِرَ فَرْضٍ أَدْرَكْت وَقْتَهُ، وَلَمْ أُؤَدِّ بَعْدُ، فَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ وَقَعَتْ ظُهْرَهُ، وَإِنْ صَحَّتْ كَانَتْ نَفْلًا اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ فِي الرُّسْتَاقِ لَا يَنْوِي الْفَرْضَ بَلْ يَنْوِي صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ وَأَيُّهُمَا قَدَّمَ جَازَ اهـ.

(قَوْلُهُ وَمِنًى مِصْرٌ لَا عَرَفَاتٌ) فَتَجُوزُ الْجُمُعَةُ بِمِنًى، وَلَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ بِمِنًى كَعَرَفَاتٍ وَاخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ الْخِلَافِ فَقِيلَ: مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ مَكَّةَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَ فَرَاسِخَ، وَتَقْدِيرُ التَّوَابِعِ لِلْمِصْرِيَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا تَتَمَصَّرُ فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ لَهَا بِنَاءً وَتُنْقَلُ إلَيْهَا الْأَسْوَاقُ وَيَحْضُرُهَا وَالٍ وَقَاضٍ بِخِلَافِ عَرَفَاتٍ؛ لِأَنَّهَا مَفَازَةٌ فَلَا تَتَمَصَّرُ بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ وَحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمُصَلِّي بِهَا الْجُمُعَةَ الْخَلِيفَةَ أَوْ أَمِيرَ الْحِجَازِ أَوْ أَمِيرَ الْعِرَاقِ أَوْ أَمِيرَ مَكَّةَ أَوْ أَمِيرَ الْمَوْسِمِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا، وَقَدْ أَخْرَجُوا مِنْهُ أَمِيرَ الْمَوْسِمِ، وَهُوَ الَّذِي أُمِرَ بِتَسْوِيَةِ أُمُورِ الْحُجَّاجِ لَا غَيْرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إقَامَتُهَا سَوَاءٌ كَانَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ جِهَةِ أَمِيرِ الْعِرَاقِ أَوْ أَمِيرِ مَكَّةَ، وَقِيلَ إنْ كَانَ مُقِيمًا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمَلَ التَّجْمِيعَ بِهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ، وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ: إنَّمَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ عِنْدَهُمَا بِمِنًى فِي أَيَّامِ الْمَوْسِمِ لَا فِي غَيْرِهَا، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ مِنًى مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ اهـ.

وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَ كَوْنِهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ فَتَرَجَّحَ تَخْصِيصُ جَوَازِهَا بِأَيَّامِ الْمَوْسِمِ وَأَنَّهَا تَصِيرُ مِصْرًا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ وَقَرْيَةً فِي غَيْرِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى فِي قُرَى مِصْرٍ أَنْ لَا تَصِحَّ فِيهَا إلَّا حَالَ حُضُورِ الْمُتَوَلِّي فَإِذَا حَضَرَ صَحَّتْ وَإِذَا ظَعَنَ امْتَنَعَتْ اهـ.

وَفِي التَّجْنِيسِ، وَلَوْ نَزَلَ الْخَلِيفَةُ أَوْ وَالِي الْعِرَاقِ فِي الْمَنَازِلِ الَّتِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَالتَّغْلِبِيَّةِ وَنَحْوِهَا جَمَّعَ؛ لِأَنَّهَا قُرَى تَتَمَصَّرُ بِمَكَانِ الْحَجِّ فَصَارَ كَمِنًى وَأُطْلِقَ فِي عَرَفَاتٍ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْخَلِيفَةُ حَاضِرًا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِنَّمَا لَا تُقَامُ صَلَاةُ الْعِيدِ بِمِنًى اتِّفَاقًا لِلتَّخْفِيفِ لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِصْرًا.

. (قَوْلُهُ وَتُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ

ــ

[منحة الخالق]

تُحْفَةِ أَعْيَانِ الْفِنَاءِ بِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ فِي الْفِنَاءِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ.

(قَوْلُهُ وَأَغْرَبُ مِنْ هَذَا مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ بِاللُّزُومِ الِافْتِرَاضَ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَوْ حَضَرَ رَجُلٌ فِي قَرْيَةٍ تُقَامُ بِهَا الْجُمُعَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَحْضُرُ مَعَهُمْ لِئَلَّا يُظَنَّ بِهِ السُّوءُ لِاعْتِقَادِهِمْ فَرْضِيَّتِهَا أَوْ جَهْلِهِمْ بِحُكْمِ مَذْهَبِهِ وَيَنْوِيَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَيْضًا قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الْقُنْيَةِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ وَوَالٍ كَذَلِكَ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَهَا قَاضٍ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى اشْتِرَاطِ أَنْ تَبْلُغَ أَبْنِيَتُهَا أَبْنِيَةَ مِنًى، وَكَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ لَهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ عَدَمُ تَمَصُّرِهَا، وَلَوْ كَانَا مُقِيمَيْنِ بِهَا وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَيْ مِنْ قَوْلِهِ الْخَلِيفَةُ إذَا سَافَرَ، وَهُوَ فِي الْقُرَى لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَمِّعَ بِالنَّاسِ وَسَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا اهـ.

قُلْت: يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ الْمُحَقِّقِ عَلَى الْقُرَى الْمُسْتَوْفِيَةِ بَقِيَّةَ الشُّرُوطِ؛ لِأَنَّهُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْقُرَى الْكَبِيرَةِ إذَا لَمْ يُعْمَلْ بِالْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ فِيهَا قَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْفَرْضَ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَهَا احْتِيَاطًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَسْعَى وَيَشْرَعُ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَوَّلًا وَقَالَ فِي الْحُجَّةِ هَذَا فِي الْقُرَى الْكَبِيرَةِ أَمَّا فِي الْبِلَادِ فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ، وَلَا تُعَادُ الْفَرِيضَةُ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْقُرَى أَنْ يُصَلِّيَ السُّنَّةَ أَرْبَعًا، ثُمَّ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ يَنْوِي أَرْبَعًا سُنَّةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ سُنَّةَ الْوَقْتِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ اهـ. مُلَخَّصًا وَنَقَلَ الْعِبَارَةَ بِتَمَامِهَا فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ فَرَاجِعْهَا.

[صَلَاة الْجُمُعَةُ بِمِنًى وَعَرَفَاتٍ]

(قَوْلُهُ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَيْفَ هَذَا وَقَدْ جَعَلَ تَمَصُّرَ مِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِاجْتِمَاعِ مَنْ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَوُجُودِ الْأَسْوَاقِ وَالسِّكَكِ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>