للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالِاغْتِسَالِ اهـ.

فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَرُوِيَ أَنَّهُ يُسَلِّمُ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَشَمَلَ التَّسْبِيحَ وَالذِّكْرَ وَالْقِرَاءَةَ، وَفِي النِّهَايَةِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ أَمَّا التَّسْبِيحُ وَنَحْوُهُ فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اهـ. وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ

وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَحْوَطَ الْإِنْصَاتُ اهـ. وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَمَّا وَقْتَ الْخُطْبَةِ فَالْكَلَامُ مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْبِيحًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا وَزَادَ فِيهَا أَنَّ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ وَهَذَا إنْ كَانَ قَرِيبًا، فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّائِيَ كَالْقَرِيبِ، وَهُوَ الْأَحْوَطُ فِي الْمُحِيطِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِهِ وَيُصَحِّحُهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ، وَلَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَكِنْ أَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ حِينَ رَأَى مُنْكَرًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَشَمَلَ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَرَدَّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ الرَّدُّ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَمْدِ إذَا عَطَسَ السَّامِعُ وَصَحَّحُوا أَنَّهُ يَرُدُّ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ ذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْأَصْوَبَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلُّ الْإِنْصَاتُ وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَمَاعِ اسْمِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ لَوْ رَأَى رَجُلًا عِنْدَ بِئْرٍ فَخَافَ وُقُوعَهُ فِيهَا أَوْ رَأَى عَقْرَبًا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحَذِّرَهُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجِبُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَالْإِنْصَاتُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَبْنَاهُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ كَمَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ، وَفِي الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا، وَإِنْ كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُلَاةِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا تُعُورِفَ مِنْ أَنَّ الْمُرْقَى لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضَى وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْقَى يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ: أَنْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ، وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرْقَى فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ بِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ بَعْدَ الزَّوَالِ إذْ الْأَذَانُ قَبْلَهُ لَيْسَ بِأَذَانٍ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَقِيلَ الْعِبْرَةُ لِلْأَذَانِ الثَّانِي الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَّا هُوَ، وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ السَّعْيِ لَمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ السُّنَّةِ الْقَبْلِيَّةَ وَمِنْ الِاسْتِمَاعِ بَلْ رُبَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُسْنَدًا إلَى السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ «كَانَ النِّدَاءُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخُلَاصَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ يَذْكُرْ التَّسْبِيحَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنَّمَا عِبَارَتُهُ مَا يَحْرُمُ فِي الصَّلَاةِ يَحْرُمُ فِي الْخُطْبَةِ حَتَّى لَا يَنْبَغِيَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَسَوَاءٌ كَانَ أَمْرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ كَلَامًا آخَرَ نَعَمْ فِي الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ، وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَكَذَا كُلُّ مَا شَغَلَ بَالَهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالْكِتَابَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَ وَيَسْكُتَ وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ وَقَالَا لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ قَبْلَ أَنْ يَخْطُبَ وَإِذَا نَزَلَ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا جَلَسَ عِنْدَ الثَّانِي قَبْلَ الْخِلَافِ فِي إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ أَمَّا غَيْرُهُ فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا وَقُبِلَ فِي كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ أَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالدُّنْيَا فَيُكْرَهُ إجْمَاعًا (قَوْلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ) الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ يَحْمَدُ (قَوْلُهُ فِي نَفْسِهِ) قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ قُبَيْلَ الْإِمَامَةِ بِأَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ أَوْ يُصَحِّحَ الْحُرُوفَ فَإِنَّهُمْ فَسَّرُوهُ بِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُصَلِّي قَلْبًا ائْتِمَارًا لِأَمْرِ الْإِنْصَاتِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ اهـ.

وَفِي إمْدَادِ الْفَتَّاحِ عَنْ الْفَتْحِ بَعْدَ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: وَهُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ، ثُمَّ اعْلَمْ إلَخْ) نَقَلَ الْخَبَرَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَأَنَّهُ لَمْ يُفْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ كَانَ يُمْهِلُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ شَاوِيشٍ يَصِيحُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ؛ لِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ الْآيَةِ تَرْغِيبًا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ تَبْسِيطًا لِاجْتِنَابِ الْكَلَامِ وَأَقَرَّهُ رَمْلِيُّنَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِحُرْمَةِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لِتَوَافُرِ الْأُمَّةِ وَتَظَاهُرِهِمْ عَلَيْهِ اهـ. وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَإِنَّ الْعُرْفَ لَا يُصَيِّرُ الْحَرَامَ مُبَاحًا تَأَمَّلْ.

[السَّعْيُ وَتَرْكُ الْبَيْعِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ لِلْجُمُعَةِ]

(قَوْلُهُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ زَادَ النِّدَاءَ الثَّانِي وَتَسْمِيَتُهُ ثَالِثًا

<<  <  ج: ص:  >  >>