للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَنْخَسِفُ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدُّ جِلْدَةُ الْخُصْيَةِ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ وَتَتَدَلَّى جِلْدَتُهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ، وَإِنَّمَا يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ السُّنَّةُ الْمَنْقُولَةُ وَاخْتَارَ مَشَايِخُنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الِاسْتِلْقَاءَ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ وَجْهٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ إلَّا نَقْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْأَيْسَرِ مِنْهُمَا لَكِنَّهُ أَيْسَرُ لِتَغْمِيضِهِ وَشَدِّ لِحْيَتِهِ وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ إذَا أُلْقِيَ عَلَى الْقَفَا يُرْفَعُ رَأْسُهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ دُونَ السَّمَاءِ اهـ.

وَفِي الْمُبْتَغَى بِالْمُعْجَمَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُوضَعُ كَمَا تَيَسَّرَ لِاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَالْأَمَاكِنِ اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُشَقَّ عَلَيْهِ فَإِذَا شَقَّ عَلَيْهِ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ الِاضْطِجَاعَ لِلْمَرِيضِ أَنْوَاعٌ أَحَدُهَا فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ، وَالثَّانِي إذَا قَرُبَ مِنْ الْمَوْتِ يُضْجَعُ عَلَى الْأَيْمَنِ وَاخْتِيرَ الِاسْتِلْقَاءُ، وَالثَّالِثُ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ يُضْجَعُ عَلَى قَفَاهُ مُعْتَرِضًا لِلْقِبْلَةِ وَالرَّابِعُ فِي اللَّحْدِ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَوَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ هَكَذَا تَوَارَثَتْ السُّنَّةُ اهـ. وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلُقِّنَ الشَّهَادَةَ) بِأَنْ يُقَالَ عِنْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى التَّلْقِينِ بِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُفِيدُ الِاسْتِحْبَابَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ مَجَازٌ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ قَوْلٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَقِيقَةُ، وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فِي رَدِّهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِذْ قَالَهَا مَرَّةً، وَلَا يُكْثِرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمَّا أُكْثِرَ عَلَى بْنِ الْمُبَارَكِ عِنْدَ الْوَفَاةِ قَالَ: إذَا قُلْت ذَلِكَ مَرَّةً فَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مَا لَمْ أَتَكَلَّمْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّلْقِينِ أَنْ يَكُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ آخِرَ قَوْلِهِ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ اشْتَدَّ مَرَضُهُ وَدَنَا مَوْتُهُ فَالْوَاجِبُ عَلَى إخْوَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ أَنْ يُلَقِّنُوهُ الشَّهَادَةَ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَحَبًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ عَلَى حَقِيقَتِهِ بَلْ اُسْتُعْمِلَ فِي مَجَازِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ فَلَمْ يُفِدْ الْوُجُوبَ قَالُوا: وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ؛ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ، وَقَدْ اعْتَادَ النَّاسُ قِرَاءَةَ " يس " عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ وَسَيَأْتِي.

[مَا يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ]

(قَوْلُهُ، فَإِنْ مَاتَ شُدَّ لَحْيَاهُ وَغُمِّضَ عَيْنَاهُ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ ثُمَّ فِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ أَنَّ اللَّحْيَ بِفَتْحِ اللَّامِ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنْ الْإِنْسَانِ أَوْ الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَقَدْ شُقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا، وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ» قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَهُ كُلُّ مُسْلِمٍ فَيَدْعُوَ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَفِي النُّتَفِ يُصْنَعُ بِالْمُحْتَضَرِ عَشْرَةُ أَشْيَاءَ: يُوَجَّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى قَفَاهُ أَوْ يَمِينِهِ. وَيُمَدُّ أَعْضَاؤُهُ وَيُغْمَضُ عَيْنَاهُ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ سُورَةُ يس وَيُحْضَرُ عِنْدَهُ مِنْ الطِّيبِ وَيُلَقَّنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُخْرَجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ وَالْجُنُبُ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ سَيْفٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ.

أَيْ إلَى أَنْ يُرْفَعَ رُوحُهُ، وَفِي التَّبْيِينِ وَيَقُولُ مُغَمِّضُهُ: بِسْمِ اللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ

ــ

[منحة الخالق]

[حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ]

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْخُصْيَةَ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْتِ) الْبَاءُ سَبَبِيَّةٌ أَيْ بِسَبَبِ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَمْتَنِعُ) أَيْ لُزُومًا لِمَا سَيَأْتِي

[تلقين الشَّهَادَةَ لِلْمُحْتَضِرِ]

(قَوْلُهُ «ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ» ) قَالَ السُّيُوطِيّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إذَا خَرَجَ الرُّوحُ مِنْ الْجَسَدِ تَبِعَهُ الْبَصَرُ نَاظِرًا أَيْنَ تَذْهَبُ قُلْت، وَفِي فَهْمِ هَذَا دِقَّةٌ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْبَصَرَ إنَّمَا يُبْصِرُ مَا دَامَ الرُّوحُ فِي الْبَدَنِ فَإِذَا فَارَقَهُ تَعَطَّلَ الْإِبْصَارُ كَمَا يَتَعَطَّلُ الْإِحْسَاسُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِيهِ بَعْدَ النَّظَرِ ثَلَاثِينَ سَنَةً أَنْ يُجَابَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْ أَكْثَرِ الْبَدَنِ وَهِيَ بَعْدُ بَاقِيَةٌ فِي الرَّأْسِ وَالْعَيْنَيْنِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْفَمِ أَكْثَرُهَا، وَلَمْ تَنْتَهِ كُلُّهَا نَظَرَ الْبَصَرُ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي خَرَجَ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ الرُّوحَ عَلَى قَدْرِ أَعْضَائِهِ فَإِذَا خَرَجَ بَقِيَّتُهَا مِنْ الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ سَكَنَ النَّظَرُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ «إذَا قُبِضَ الرُّوحُ» مَعْنَاهُ إذَا شُرِعَ فِي قَبْضِهِ، وَلَمْ يَنْتَهِ قَبْضُهُ، الثَّانِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرُّوحَ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَةً فَتَرَى وَتَسْمَعُ وَتَرُدُّ السَّلَامَ وَيَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ كَذَا فِي شَرْحِ الْبَاقَانِيِّ قُلْت: وَالْجَوَابُ الثَّانِي يَرْجِعُ إلَى مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ تَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي النُّتَفِ إلَى أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْغُسْلِ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهَا الْقُهُسْتَانِيُّ لَكِنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ. اهـ.

وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>