للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ ضَمِّ الْقَسَامَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَقْتُولُ فِي الْجَامِعِ أَوْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ، وَلَيْسَ فِيهِ قَسَامَةٌ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَطْ فَلَوْ قُتِلَ فِي الْعُمْرَانِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْمُحَدَّدِ، وَلَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لَشَمَلَ الْكُلَّ لَكِنْ قَدْ عُلِمَ حُكْمُ مَا إذَا قُتِلَ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ مُطْلَقًا مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ، وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قُتِلَ فِي الْمِصْرِ بِغَيْرِ الْمُحَدَّدِ لَا يَكُونُ شَهِيدًا أَوْ إنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ كَانَ شَهِيدًا؛ لِأَنَّهُ يُوجَبُ الْقَتْلُ بِحُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا الْمَالِ، وَلَوْ نَزَلَ عَلَيْهِ اللُّصُوصُ لَيْلًا فِي الْمِصْرِ فَقُتِلَ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ خَارِجَ الْمِصْرِ بِسِلَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَتِيلَ لَمْ يُخَلِّفْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَدَلًا هُوَ مَالٌ اهـ.

وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فِي بَيْتِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ مُعَيَّنٌ مِنْهُمْ لِعَدَمِ وُجُودِهِمْ فَإِنَّهُ لَا قَسَامَةَ، وَلَا دِيَةَ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ وَهُنَا قَدْ عُلِمَ أَنَّ قَاتِلَهُ اللُّصُوصُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِمْ لِفِرَارِهِمْ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ.

(قَوْلُهُ أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ أَوْ قَوَدٍ) أَيْ يُغَسَّلُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَّلَ مَاعِزًا» وَلِأَنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لِحَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ.

(قَوْلُهُ لَا لِبَغْيٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ) أَيْ لَا يُغَسَّلُ مَنْ قُتِلَ لِلْبَغْيِ أَوْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَإِذَا لَمْ يُغَسَّلَا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْبُغَاةِ، وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ بِمَنْزِلَتِهِمْ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ أُخِذُوا وَقُتِلُوا بَعْدَهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفَرَّقَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ بَيْنَهُمَا فَوَافَقَ فِي الْأَوَّلِ وَقَالَ بِالصَّلَاةِ فِي الثَّانِي قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ أَخَذَ بِهِ الْكِبَارُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْقَتْلَ فِي الثَّانِي حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَفِي الْبُغَاةِ لِكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ لِعَوْدِ مَنْفَعَتِهِ إلَى الْعَامَّةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ رُبَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ لِبَغْيٍ فَإِنَّ مَنْ قُتِلَ بَعْدَ الْحَرْبِ لَمْ يُقْتَلْ لِبَغْيٍ، وَإِنَّمَا قُتِلَ قِصَاصًا وَأُلْحِقَ بِقَاطِعِ الطَّرِيقِ الْمُكَابِرُونَ فِي الْمِصْرِ بِالسِّلَاحِ لَيْلًا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْخَنَّاقُ الَّذِي خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ كَذَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ وَحُكْمُ أَهْلِ الْعَصَبِيَّةِ كَحُكْمِ الْبُغَاةِ وَمَنْ قَتَلَ أَحَدَ أَبَوَيْهِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إهَانَةً لَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ قَاتِلِ نَفْسِهِ عَمْدًا لِلِاخْتِلَافِ فَعِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ غَيْرُ سَاعٍ فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ بَاغٍ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْقَاضِي عَلِيٍّ السَّعْدِيِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى لَكِنْ تَأَيَّدَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» اهـ.

وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَرِيبًا مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَتَلَ نَفْسَهُ وَالْآخَرُ قَتَلَ غَيْرَهُ كَانَ قَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمَ وِزْرًا وَإِثْمًا. اهـ.

قَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا خَطَأً فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا

(بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) خَتَمَ كِتَابَ الصَّلَاةِ بِمَا يُتَبَرَّكُ بِهِ حَالًا وَمَكَانًا وَأَوْلَاهُ لِلشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِجَوَازِ جَعْلِ الظَّهْرِ فِيهَا إلَى ظَهْرِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ صَحَّ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِيهَا وَفَوْقَهَا) ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ يَوْمَ الْفَتْحِ» وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ اسْتَجْمَعَتْ شَرَائِطَهَا لِوُجُودِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ

؛ لِأَنَّ اسْتِيعَابَهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا جَازَتْ فَوْقَهَا؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالْهَوَاءُ إلَى عَنَانِ السَّمَاءِ عِنْدَنَا دُونَ الْبِنَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ جَازَ، وَلَا بِنَاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ، وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ،

وَفِي الْغَايَةِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْبِنَاءُ الْمُرْتَفِعُ مَأْخُوذٌ مِنْ الِارْتِفَاعِ وَالنُّتُوِّ وَمِنْهُ الْكَاعِبُ فَكَيْفَ يُقَالُ الْكَعْبَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ وَالصَّوَابُ الْقِبْلَةُ هِيَ الْعَرْصَةُ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْوَبَرِيُّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَوَافَقَ فِي الْأَوَّلِ) ، وَهُوَ مَا إذَا قُتِلُوا فِي حَالِ الْحَرْبِ وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي مَا إذَا قُتِلُوا بَعْدَهَا

[بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>