للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَدَائِهَا مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ فَلَا تَضْيِيقَ إلَّا فِي آخِرِ الْعُمْرِ، وَرَدَّهُ الْمُحَقِّقُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ بِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ لَا الْمُطْلَقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَبَعْدَهُ قَضَاءٌ فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا بَيَانُ كَمَيِّتِهَا وَشَرْطِهَا وَسَبَبِهَا وَوَقْتِهَا فَسَيَأْتِي مُفَصَّلًا وَأَمَّا رُكْنُهَا فَهُوَ نَفْسُ الْأَدَاءِ إلَى الْمَصْرِفِ فَهِيَ التَّمْلِيكِ كَالزَّكَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِطَعَامِ الْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهَا فَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَوُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِضَافَةُ فِيهَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ، وَهُوَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ الرَّأْسُ بِدَلِيلِ التَّعَدُّدِ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ وَجَعَلُوهَا فِي الْأُصُولِ عِبَادَةً فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِسَبَبِ الْغَيْرِ كَمَا تَجِبُ مُؤْنَتُهُ وَلِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لَهَا كَمَالُ الْأَهْلِيَّةِ فَوَجَبَتْ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ مَا بِهِ بَقَاءُ الشَّيْءِ، وَبَقَاءُ الْأَرْضِ فِي أَيْدِينَا بِهِ، وَالْعِبَادَةُ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّمَاءِ وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلَ كَانَتْ الْمُؤْنَةُ غَالِبَةً وَلِلْعِبَادَةِ لَا يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِهِ، وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا تَقَدَّمَ.

(قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ ذِي نِصَابٍ فَضَلَ عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ، وَإِنْ مَلَكَ فَكَيْفَ يَمْلِكُ، وَرِوَايَةُ عَلَى فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِمَعْنَى عَنْ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَجِبُ وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ وَلَدٌ مُسْلِمٌ، وَهِيَ وَجَبَتْ لِإِغْنَاءِ الْفَقِيرِ لِلْحَدِيثِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» وَالْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَكُونُ وَالْغِنَى الشَّرْعِيُّ مُقَدَّرٌ بِالنِّصَابِ، وَشُرِطَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالْحَاجَةِ كَالْمَعْدُومِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ فَخَرَجَ النِّصَابُ الْمَشْغُولُ بِالدَّيْنِ، وَلَمَّا كَانَ حَوَائِجُ عِيَالِهِ الْأَصْلِيَّةِ كَحَوَائِجِهِ لَمْ يَذْكُرْهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ وَحَوَائِجِ عِيَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ النِّصَابَ بِالنُّمُوِّ كَمَا فِي الزَّكَاةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ لَا مُيَسَّرَةٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ الْوُجُوبِ لَا يَسْقُطُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَلَمْ يُقَيَّدُ بِالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ الْوَصِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى لَوْ لَمْ يُخْرِجُهَا وَجَبَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَكَمَا يُخْرِجُ الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ عَنْهُ يُخْرِجُ عَنْ عَبِيدِهِ لِلْخِدْمَةِ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ.

وَأَشَارَ بَعْدَ النِّصَابِ مِنْ الشُّرُوطِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ سَبَبًا فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ ثُمَّ مَلَكَ صَحَّ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الرَّأْسُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا كَانَ الْأَبُ مَجْنُونًا فَقِيرًا فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ وَاجِبَةٌ عَلَى ابْنِهِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ وَكَذَا الْوَلَدُ الْكَبِيرُ إذَا كَانَ مَجْنُونًا فَإِنَّ صَدَقَةَ فِطْرِهِ عَلَى أَبِيهِ سَوَاءٌ بَلَغَ مَجْنُونًا أَوْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي وَخَرَجَ الْأَقَارِبُ، وَلَوْ فِي عِيَالِهِ، وَإِذَا أَدَّى عَنْ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ الْكَبِيرِ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا جَازَ وَظَاهِرُ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى عَمَّنْ فِي عِيَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ مُطْلَقًا بِغَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ.

(قَوْلُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَطِفْلِهِ الْفَقِيرِ وَعَبْدِهِ لِخِدْمَتِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَا عَنْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ الْكَبِيرِ وَمُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ أَوْ عَبِيدٍ لَهُمَا) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ السَّبَبِ، وَهُوَ رَأْسُهُ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ يَمُونُهُ، وَيَلِي عَلَيْهِ وِلَايَةً كَامِلَةً مُطْلَقَةً لِلْحَدِيثِ «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَمَا بَعْدَ عَنْ يَكُونُ سَبَبًا لِمَا قَبْلَهَا وَزِيدَتْ الْوِلَايَةُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مَانَ صَغِيرًا أَجْنَبِيًّا لِلَّهِ - تَعَالَى - لَمْ يَجِبْ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ قَالُوا بِوُجُوبِهَا عَنْ الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ، وَعَنْ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَلَا وِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَزِيَادَةُ الْوِلَايَةِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا نَصٌّ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ) قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ: مَا اخْتَارَهُ فِي التَّحْرِيرِ تَرْجِيحٌ لِمَا قَابَلَ الصَّحِيحَ اهـ.

وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ التَّرْجِيحَ بَلْ نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْمَقْدِسِيَّ رَدَّهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا صَحَّ تَقْدِيمُهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَعِبَارَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ وَصَحَّحَهُ وَقَوْلُهُ: «أَغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ» يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْمَسْأَلَةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِقُرْبِهِ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْكَمَالُ نَفْسُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ التَّقْيِيدِ بِالْيَوْمِ؛ إذْ لَوْ تَقَيَّدَ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَبْلَهُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْأُضْحِيَّةِ اهـ.

وَتَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ حَمْلَ الْأَمْرِ بِالْإِغْنَاءِ عَلَى النَّدْبِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى ظُهُورِ تَعَلُّقِ الْجَارِ وَالْمَجْرُورِ بِالْمَسْأَلَةِ.

[شُرُوط وُجُوب صَدَقَةِ الْفِطْر]

(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِي الثَّانِي) أَيْ فِيمَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى ضَعْفِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِ.

[عَنْ مِنْ تَخْرُجْ صَدَقَة الْفِطْر]

(قَوْلُهُ: وَزِيدَتْ الْوِلَايَةُ لِلْإِجْمَاعِ إلَى قَوْلِهِ وَتَعَقَّبَهُ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالنُّسَخُ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ (قَوْلُهُ: لَوْ مَانَ صَغِيرًا) بِالنُّونِ

<<  <  ج: ص:  >  >>