للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ مُتَعَقِّبٌ عَنْ الشَّرْطِ فِي الْوُجُودِ لَا مُقَارِنٌ بِخِلَافِ الْعِلَّةِ فَإِنَّ الْمَعْلُولَ يُقَارِنُهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى زَكَاةُ التِّجَارَةِ إذَا تَمَّ الْحَوْلُ بِانْفِجَارِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَنَظِيرُهُمَا مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ حَيْثُ يَصِحُّ الْبَيْعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ فَصَارَ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى الْحَوْلِ بَعْدَ مِلْكِ النِّصَابِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا فَارِقَ لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فَانْدَفَعَ بِهِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ لَكِنَّهُ وُجِدَ فِيهِ دَلِيلٌ، وَهُوَ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ

وَأَطْلَقَ فِي التَّقْدِيمِ فَشَمِلَ مَا إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَقَبِلَهُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكَافِي، وَفِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَشُرُوحِ الْهِدَايَةِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: يَجُوزُ التَّعْجِيلُ إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا إذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.

فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ كَمَا تَرَى لَكِنْ تَأَيَّدَ التَّقْيِيدُ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْعَمَلُ عَلَيْهِ، وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ مَسْأَلَةَ التَّعْجِيلِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تُذْكَرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ لَكِنْ صَحَّحَ هُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعْجِيلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ

وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ حَتَّى لَوْ مَاتَ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ أَوْ مَمْلُوكُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ أَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ، وَفِي أَيِّ وَقْتٍ أَدَّى كَانَ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّهُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ قَاضٍ لَا مُؤَدٍّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُقَيَّدِ بِالْوَقْتِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ، وَعَلَى أَنَّهُ مُطْلَقٌ فَلَا إثْمَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَا يُكْرَهُ التَّأْخِيرُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي الْكِتَابِ لِجَوَازِ تَفْرِيقِ صَدَقَةِ شَخْصٍ عَلَى مَسَاكِينَ، وَظَاهِرُ مَا فِي التَّبْيِينِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْعُ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ الْكَرْخِيُّ وَصَرَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ كَجَوَازِ تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَأْمُورُ فِيهِ بِالْإِغْنَاءِ فَيُفِيدُ الْأَوْلَوِيَّةَ، وَقَدْ نَقَلَ فِي التَّبْيِينِ الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِي بَابِ الظِّهَارِ، وَأَمَّا دَفْعُ صَدَقَةِ جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ (فُرُوعٌ) الْمَرْأَةُ إذَا أَمَرَهَا زَوْجُهَا بِأَدَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَخَلَطَتْ حِنْطَتَهُ بِحِنْطَتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ، وَدَفَعَتْ إلَى الْفَقِيرِ جَازَ عَنْهَا لَا عَنْ الزَّوْجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَجَازَ الزَّوْجُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي حِيرَةِ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّهَا لَمَّا خَلَطَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ صَارَتْ مُسْتَهْلِكَةً لِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَهُ يَقْطَعُ حَقَّ صَاحِبِهِ عَنْ الْعَيْنِ، وَفِي قَوْلِهِمَا: لَا يَقْطَعُ وَتَجُوزُ عَنْهُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلَا يَبْعَثُ الْإِمَامُ عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ سَاعِيًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْعَثْ ذَكَرَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ أَنَّ الْأَفْضَلَ صَرْفُ الزَّكَاتَيْنِ يَعْنِي زَكَاةَ الْمَالِ، وَصَدَقَةَ الْفِطْرِ إلَى أَحَدِ هَؤُلَاءِ السَّبْعَةِ الْأُوَلِ إخْوَتِهِ الْفُقَرَاءِ وَأَخَوَاتِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ إلَى أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ إلَى أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ وَسَائِرِ ذَوِي أَرْحَامِهِ الْفُقَرَاءِ إلَى جِيرَانِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مَسْكَنِهِ ثُمَّ إلَى أَهْلِ مِصْرِهِ

وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ الْبُخَارِيُّ: لَا تُقْبَلُ صَدَقَةُ الرَّجُلِ وَقَرَابَتُهُ مَحَاوِيجُ حَتَّى يَبْدَأَ بِهِمْ فَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أَعْطَى فِي غَيْرِ قَرَابَتِهِ إنْ أَحَبَّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ كَالزَّكَاةِ فِي الْمَصَارِفِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ الذِّمِّيَّ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَصْرِفِ، وَفِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ: وَلَوْ دَفَعَ صَدَقَةَ فِطْرِهِ إلَى زَوْجَةِ عَبْدِهِ جَازَ، وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[منحة الخالق]

[وَقْتِ وُجُوبِ أَدَاء صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

(قَوْلُهُ: فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ) أَيْ لَا خِلَافَ مُعْتَدًّا بِهِ كَمَا قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ بِالْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: وَيَجُوزُ أَخْذُ وَاحِدٍ مِنْ جَمْعٍ، وَدَفْعُ وَاحِدَةٍ لِجَمْعٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْعَبْدِ؛ وَلِذَا يُبَاعُ لِأَجْلِهَا، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا عَلَيْهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا بَيْعُهُ لِلنَّفَقَةِ صَارَتْ كَأَنَّهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ، وَإِذَا بَاعَتْهُ فَقَدْ اسْتَوْفَتْ النَّفَقَةَ مِنْ مِلْكِهِ تَأَمَّلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>