للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَمْنَعَهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ السَّبَبَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ لَيْسَ الْحَيْضُ وَلَا انْقِطَاعُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّ الصَّحِيحَ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى أَمَالِي قَاضِي خان، وَأَمَّا مَا يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ إذَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ جُنُبًا فَلَمْ يَحْصُلْ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ الْمُحَقِّقِ فَالْأَوْلَى الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خان وَإِلَى هُنَا تَمَّتْ أَنْوَاعُ الِاغْتِسَالِ، وَهِيَ فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَمَنْدُوبٌ فَالْفَرْضُ سِتَّةُ أَنْوَاعٍ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ وَتَوَارِي حَشَفَةٍ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ وَمِنْ انْقِطَاعِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَلَوْ كَانَتْ كَافِرَةً ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَالْخَامِسُ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالسَّادِسُ الْغُسْلُ عِنْدَ إصَابَةِ جَمِيعِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بَعْضِهِ وَخَفِيَ مَكَانُهَا وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ قَسَّمُوا أَنْوَاعَهُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ وَجَعَلُوا الْوَاجِبَ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَغُسْلَ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ جُنُبًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي سَمَّوْهُ وَاجِبًا يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ وَالْمَنْقُولُ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ فَرْضٌ فَالْأَوْلَى عَدَمُ إطْلَاقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ غَيْرُ الْفَرْضِ بِنَاءً عَلَى اصْطِلَاحِنَا الْمَشْهُورِ وَالْمَسْنُونُ أَرْبَعَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَالْمَنْدُوبُ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ غَيْرُ جُنُبٍ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِمُزْدَلِفَةَ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ وَالصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِلْحِجَامَةِ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ وَلَيْلَةَ الْقَدْرِ إذَا رَآهَا وَلِلتَّائِبِ مِنْ الذَّنْبِ وَلِلْقَادِمِ مِنْ السَّفَرِ وَلِمَنْ يُرَادُ قَتْلُهُ وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا ذَكَرَ هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مَعْزِيًّا لِخِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْكُسُوفَيْنِ وَغُسْلُ الِاسْتِسْقَاءِ وَمِنْهُ ثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ رَمْيُ الْجِمَارِ وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعِ النَّاسِ وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا فِيمَا عِنْدِي وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

(قَوْلُهُ: وَيُتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ) يَعْنِي الطَّهَارَةُ جَائِزَةٌ بِمَاءِ السَّمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقُدُورِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَشَايِخُ تَارَةً يُطْلِقُونَ الْجَوَازَ بِمَعْنَى الْحِلِّ وَتَارَةً بِمَعْنَى الصِّحَّةِ، وَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَالْغَالِبُ إرَادَةُ الْأَوَّلِ فِي الْأَفْعَالِ وَالثَّانِي فِي الْعُقُودِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ، وَمَنْ قَالَ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ اسْتَعْمَلَ الْجَوَازَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ وَالْمَاءُ هُوَ الْجِسْمُ اللَّطِيفُ السَّيَّالُ الَّذِي بِهِ حَيَاةُ كُلِّ نَامٍ وَأَصْلُهُ مَوَهَ بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ أَصْلٌ مَرْفُوضٌ فِيمَا أُبْدِلَ مِنْ الْهَاءِ إبْدَالًا لَازِمًا، فَإِنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ مُبْدَلَةٌ عَنْ الْهَاءِ فِي مَوْضِعِ اللَّامِ وَيُجْمَعُ عَلَى مِيَاهٍ جَمْعَ كَثْرَةٍ وَجَمْعَ قِلَّةٍ عَلَى أَمْوَاهٍ وَالْعَيْنُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْيَنْبُوعِ وَالذَّهَبِ وَالدِّينَارِ وَالْمَالِ وَالنَّقْدِ وَالْجَاسُوسِ وَالْمَطَرِ وَوَلَدِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَخِيَارِ الشَّيْءِ وَنَفْسِ الشَّيْءِ وَالنَّاسِ الْقَلِيلِ وَحَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ وَمَا عَنْ يَمِينِ قِبْلَةِ الْعِرَاقِ وَعَيْنٍ فِي الْجِلْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْيَنْبُوعُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ، وَفِي قَوْلِهِ وَالْبَحْرُ عَطْفًا عَلَى السَّمَاءِ أَيْ وَبِمَاءِ الْبَحْرِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ مَاءَ الْبَحْرِ لَيْسَ بِمَاءٍ حَتَّى حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي مَاءِ الْبَحْرِ التَّيَمُّمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَقَسَّمَ هَذِهِ الْمِيَاهَ بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً، وَإِلَّا فَالْكُلُّ مِنْ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: ٢١] وَقِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْمِيَاهِ تَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ؛ لِأَنَّ مَا نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تَعُمُّ قُلْنَا بَلْ تَعُمُّ بِقَرِينَةِ الِامْتِنَانِ بِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ بِهِ

فَلَوْ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الْعُمُومِ لَفَاتَ الْمَطْلُوبُ وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ تُفِيدُ الْعُمُومَ بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير: ١٤] أَيْ كُلُّ نَفْسٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ، وَمُقَيَّدٌ فَالْمُطْلَقُ هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْأَفْهَامِ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا مَاءٌ، وَلَمْ يَقُمْ بِهِ خَبَثٌ وَلَا مَعْنَى يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَخَرَجَ الْمَاءُ الْمُقَيَّدُ وَالْمَاءُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَالْمُطْلَقُ فِي الْأُصُولِ هُوَ الْمُتَعَرِّضُ لِلذَّاتِ دُونَ الصِّفَاتِ لَا بِالنَّفْيِ وَلَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ أَجِدْهُ لِأَئِمَّتِنَا فِيمَا عِنْدِي) قَالَ فِي النَّهْرِ صَرَّحَ فِي الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ بِنَدْبِ غُسْلِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ اهـ.

قُلْت: وَمِثْلُهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي مَتْنِهِ ثُمَّ رَأَيْته أَيْضًا فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِرَمْيِ الْجِمَارِ ثُمَّ رَأَيْت فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قِيلَ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَفِي الِاسْتِسْقَاءِ وَفِي كُلِّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ كَاجْتِمَاعِ النَّاسِ.

[أَحْكَام الْمِيَاه]

[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

(قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ) أَيْ الْحِلُّ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ بِمَا هُوَ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الظَّاهِرُ هُنَا الصِّحَّةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ (قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ بِعُمُومِ الْمُشْتَرَكِ اسْتَعْمَلَ الْجَوَازَ هُنَا بِالْمَعْنَيَيْنِ) أَقُولُ: أَمَّا وَجْهُ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الْحِلِّ فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا وَجْهُ اسْتِعْمَالِهِ بِمَعْنَى الصِّحَّةِ؛ فَلِأَنَّهَا لَازِمَةٌ لِلْحِلِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ وَهُنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّهَارَةَ قَدْ تَصِحُّ وَتَحِلُّ وَقَدْ تَصِحُّ وَلَا تَحِلُّ كَالطَّهَارَةِ بِمَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ بِمَاءِ الْغَيْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمُرَادُ هُنَا الْيَنْبُوعُ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَاءٍ وَبَعْدَهُ لَا يَخْفَى وَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطَفَ عَلَى السَّمَاءِ وَعَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ مَا ذُكِرَ نَعَمْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاءِ الْبَاصِرَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ مُرَادٍ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ اهـ.

وَيُمْكِنُ تَقْدِيرُ مُضَافٍ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ أَيْ مَاءُ الْيَنْبُوعِ فَيَئُولُ إلَى مَا ذُكِرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>