للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَوْمَ غَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ إنَّمَا تُبْطِلُ اللَّفْظَ، وَالنِّيَّةُ فِعْلٌ الْقَلْبِ وَصَحَّحَهُ فِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ وَوَقْتِهَا مَسْأَلَةُ الْأَسِيرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَتَحَرَّى وَصَامَ شَهْرًا عَنْ رَمَضَانَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُوَافِقَ أَوْ لَا بِالتَّقْدِيمِ أَوْ بِالتَّأْخِيرِ

فَإِنْ وَافَقَ جَازَ، وَإِنْ تَقَدَّمَ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ تَأَخَّرَ، فَإِنْ وَافَقَ شَوَّالًا يَجُوزُ بِشَرْطِ مُوَافَقَةِ الشَّهْرَيْنِ فِي الْعَدَدِ وَتَعْيِينِ النِّيَّةِ وَتَبْيِيتِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي الصَّحِيحِ فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَامِلًا قَضَى يَوْمًا وَاحِدًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَشَوَّالٌ نَاقِصًا قَضَى يَوْمَيْنِ يَوْمًا لِأَجْلِ يَوْمِ الْعِيدِ وَيَوْمًا لِأَجْلِ النُّقْصَانِ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، فَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ كَامِلًا قَضَى أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ كَامِلًا وَذُو الْحِجَّةِ نَاقِصًا قَضَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ وَافَقَ صَوْمُهُ شَهْرًا آخَرَ سِوَى هَذَيْنِ الشَّهْرَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الشَّهْرَانِ كَامِلَيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ أَوْ كَانَ رَمَضَانُ نَاقِصًا، وَالْآخَرُ كَامِلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ قَضَى يَوْمًا، وَلَوْ صَامَ بِالتَّحَرِّي سِنِينَ كَثِيرَةً ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجُوزُ صَوْمُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ، وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ قِيلَ: يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُخْتَصَرًا وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ مُبْهَمًا يَجُوزُ عَنْ الْقَضَاءِ، وَإِنْ نَوَى عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مُفَسِّرًا لَا يَجُوزُ

وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ وَكَانَ نَاقِصًا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ بِعَدَدِ الْأَيَّامِ، لَا شَهْرٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ قَالُوا فِيمَنْ أَفْطَرَ شَهْرًا بِعُذْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثُمَّ قَضَى شَهْرًا بِالْهِلَالِ فَكَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ يَوْمٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرَ فِيهَا دُونَ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى قَدْرِ الْفَائِتِ، وَلَوْ صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَأَفْطَرُوا لِلرُّؤْيَةِ، وَفِيهِمْ مَرِيضٌ لَمْ يَصُمْ فَإِنْ عَلِمَ مَا صَامَ أَهْلُ مِصْرِهِ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ اهـ.

وَفِي عُدَّةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ شَوَّالٍ وَذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ فَصَامَهُنَّ بِالرُّؤْيَةِ وَكَانَ هِلَالُ ذِي الْقِعْدَةِ وَذِي الْحِجَّةِ ثَلَاثِينَ وَشَوَّالٍ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ: الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَصَامَهُنَّ فَعَلَيْهِ قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى غَائِبٍ فَيَلْزَمُ لِكُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ اهـ.

وَبِمَا ذَكَرْنَا عَلِمَ مَنْ يُرَاجِعُ فَتْحُ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ الْأَقْسَامَ كُلَّهَا.

(قَوْلُهُ: وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَالْوَجْهُ فِي إثْبَاتِ الرَّمَضَانِيَّةِ وَالْعِيدِ أَنْ يَدَّعِيَ عِنْدَ الْقَاضِي بِوَكَالَةِ رَجُلٍ مُعَلَّقَةٍ بِدُخُولِ رَمَضَانَ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَيُقِرَّ الْخَصْمُ بِالْوِكَالَةِ وَيُنْكِرَ دُخُولَ رَمَضَانَ فَيَشْهَدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَيَقْضِيَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَيَثْبُتَ مَجِيءُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ مَجِيءِ رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ حَتَّى لَوْ أَخْبَرَ رَجُلٌ عَدْلٌ الْقَاضِيَ بِمَجِيءِ رَمَضَانَ يَقْبَلُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّوْمِ يَعْنِي فِي يَوْمِ الْغَيْمِ

وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَشَرَائِطُ الْقَضَاءِ أَمَّا فِي الْعِيدِ فَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ تَحْتَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَيْضًا لَكِنْ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصْحِيحِ فَقَالَ: وَفَصَّلَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا فَقَالَ: إنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي رَمَضَانَ يَجُوزُ وَكَذَا فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّهُ صَامَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَإِنْ صَامَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ، وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ الرَّمَضَانَاتِ كُلِّهَا ثُمَّ قَالَ وَضَرَبَ لَهُ أَيْ أَبُو جَعْفَرٍ مَثَلًا، وَهُوَ رَجُلٌ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَلَوْ اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ زَيْدٌ فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ، وَفِي الثَّانِي اقْتَدَى بِزَيْدٍ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ زَيْدًا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِأَحَدٍ كَذَلِكَ هُنَا إذَا نَوَى صَوْمَ كُلِّ سَنَةٍ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ تَعَلَّقَتْ نِيَّةُ الْوَاجِبِ بِمَا عَلَيْهِ لَا بِالْأَوَّلِ وَالثَّانِي إلَّا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَأَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ فَيَقَعُ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ لَا عَمَّا ظَنَّ اهـ.

[بِمَا يَثْبُت شَهْر رَمَضَان]

(قَوْلُهُ: فَيُقِرُّ الْخَصْمُ بِالْوَكَالَةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: عِبَارَةُ النَّهْرِ فَيُقِرُّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ، وَيُنْكِرُ الدُّخُولَ وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ؛ إذْ لَا يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْغَائِبِ بِقَبْضِ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ.

قُلْت: لَا إشْكَالَ عَلَى عِبَارَةِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ وَالْوَكَالَةِ جَمِيعًا صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ إنَّمَا تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ دَعْوَى الْوَكِيلِ قَبْضَ عَيْنٍ هِيَ وَدِيعَةٌ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْغَرِيمِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِثُبُوتِ حَقِّ الْقَبْضِ لِلْوَكِيلِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ، وَأَمَّا إذَا أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ وَجَحَدَ الدَّيْنَ فَلَا يَكُونُ الْوَكِيلُ خَصْمًا بِإِثْبَاتِ الْحَقِّ إلَّا بِإِثْبَاتِ وَكَالَتِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَإِقْرَارِ الْوَكِيلِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>